الفارق الكبير بينهما ، وتميزه عنه.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) من هذا المجتمع المتنوع المتناقض ، الذي يحمل في داخله الكثير من العقليات المختلفة في مسألة وعي القيم المادية والروحية في الحياة ، فهناك الذين يعتبرون المادة كل شيء ، فهي الأساس في المستوى الكبير والصغير في قيمة الإنسان ، وهي العمق الذي تكمن فيه المشاعر الإنسانية التي تحكم العلاقات ، وهناك الذين يعتبرون القيمة الروحية الأساس في احتواء العلاقات الإنسانية ، والتحكم في حركة الواقع ، والارتفاع به إلى المستوى الأعلى في الحياة عند ما ترتفع في وجدان الإنسان ، أو تنخفض به إلى المستوى المنحدر فيها ، مما يؤثر سلبا على مشاعره. وهكذا يتقابل هذان الرجلان ، أمام التناقض في المشاعر والمواقف في ما يتمثل به واقع كل منهما في طبيعة العيش. وقد أراد الله أن يصور لنا هذين الرجلين اللذين (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ) ، حيث تتهدل العناقيد كمثل اللآلئ في أعالي الكروم ، (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) يحيط بهما فيعطيهما جمالا وشموخا وارتفاعا ، (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) تخضرّ به الأرض وتزهو وتزدهر وتنتج الكثير مما يغذي الروح والجسد والبصر ... (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) فقد أعطت كل نتاجها الشهي ، ولم تنقص منه أيّ شيء (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) يسقي الكروم والنخيل والخضرة المتنقلة في كل مكان ، فيمنحها الحياة والنمو والازدهار. ثم نلاحظ استسلام صاحب الجنتين لحالة الرخاء والنعيم اللذين يتمتع بهما ، واعتقاده استمرار ذلك كله في شعور طارئ بالخلود ، وثقة كبيرة بالمستقبل كله في الدنيا والآخرة ، لو كان هناك آخرة ـ كما يوحي تفكيره ـ انطلاقا من إحساسه بضخامة شخصيته ، على أساس أن حالته المالية والاجتماعية تفرض علوّ شأنه ، ورفعة منزلته ، وكرامته لدى الله. ولهذا ، فإنه مطمئن إلى وضعه كل الاطمئنان.
* * *