تبعا لموقفكم منه ، من خلال ما قد تتخيلونه من أن الإيمان به يمنحه كل القوّة ، وأن الكفر به يضعفه ويسقطه عن التأثير والاعتبار. فقد يكون هناك قوم آخرون غيركم ، ممن يعيشون في هذه المرحلة ، أو ممن يأتون بعدها ، وهم الذين يملكون العلم عن دليل وبرهان ، ويعرفون سرّ الإعجاز فيه ، وسموّ العظمة في أسلوبه ومضمونه ، فيفهمونه جيدا ، ويخضعون له لإيمانهم العميق به ، لأن العلم المنفتح هو الذي يفتح للإنسان أبواب الإيمان بالله وبرسالاته وبرسله.
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل نزوله ، سواء كانوا ممن أوتوا الكتاب ، وهم أهل الكتاب المؤمنون الواعون ، أو كانوا من غيرهم ، وهم الحنيفيون الذين ساروا على الخط المستقيم في التوحيد وتمردوا على خط الشرك. (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) القرآن في آياته التي تجسد عظمة الله ، (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) في تعبير صارخ عن الخضوع المطلق لله والانسحاق أمامه ، باعتبار أن السجود أعلى مظاهر الخضوع ، ويمكن أن يكون ذكر الأذقان ، باعتبار أن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند السجود ، أو يكون المراد بها الوجوه على نحو المجاز تعبيرا عن الكل بالجزء ، وهؤلاء الذين يسجدون لله بهذه الروح الخاشعة الذليلة ينطلقون معرفتهم بالله الذي يطلّ بهم على عظمته وأسرار قوّته.
(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) في إحساس عميق بعظمة الله ، وانفعال بها ، وتسبيح خاشع يثيرها في انفتاح الروح على الله.
(إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا) وهو إدخال عبادة المتّقين الذين أخلصوا له في الفكر والعمل الجنّة (لَمَفْعُولاً) ثابتا في مواقع الصدق ، فلا بد له من أن يتحقق في موعده فلا يتخلّف عنه.
* * *