إذا أمكنه تعريفهم ، وجب عليه أن يعرّفهم.
فإذا عرّفهم ، فإن رجعوا ، فلا بحث ، وإن لم يرجعوا ، قاتلهم ، لأنّ الله تعالى أمر بالصلح ، فقال ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (١) قبل الأمر بالقتال.
ولأنّ الغرض كفّهم ودفع شرّهم ، فإذا أمكن بمجرّد القول ، لم يعدل إلى القتل ، وإذا أمكن بالإثخان ، لم يعدل إلى التذفيف ، فإن التحم القتال واشتدّ الحرب ، خرج الأمر عن الضبط.
ولمّا أراد أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام قتل (٢) الخوارج ، بعث إليهم عبد الله بن عباس ليناظرهم فلبس حلّة حسنة ومضى إليهم ، فقال : هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وزوج ابنته فاطمة عليهاالسلام ، وقد عرفتم فضله ، فما تنقمون منه؟ قالوا : ثلاثا : إنّه حكّم في دين الله ، وقتل ولم يسب ، فإمّا أن يقتل ويسبي أو لا يقتل ولا يسبي ، إذا حرمت أموالهم حرمت دماؤهم ، والثالث : محا اسمه من الخلافة. فقال ابن عباس : إن خرج عنها رجعتم إليه؟ قالوا : نعم.
قال ابن عباس : أمّا قولكم : حكّم في دين الله تعنون الحكمين بينه وبين معاوية ، وقد حكّم الله في الدين ، فقال ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) (٣) وقال ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٤) فحكم في أرنب قيمته درهم ، فبأن يحكم في هذا الأمر العظيم أولى. فرجعوا عن هذا.
__________________
(١) الحجرات : ٩.
(٢) كذا ، والظاهر : قتال.
(٣) النساء : ٣٥.
(٤) المائدة : ٩٥.