أراد بالأبدان الدروع (١) ـ وباليلب ـ بفتح الياء واللام ـ الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود.
وقوله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) تذييل قصد به دعوة الناس جميعا إلى التأمل والتدبر ، والاعتبار بآيات الله ، وبمظاهر قدرته.
أى : وإن كثيرا من الناس لغافلون عن آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا على إهلاك كل ظالم جبار.
قال ابن كثير : وكان هلاك فرعون يوم عاشوراء. كما قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : أنتم أحق بموسى منهم فصوموه» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك بعض مظاهر نعمه على بنى إسرائيل بعد أن أهلك عدوهم فرعون فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ).
وقوله : (بَوَّأْنا) أى : أنزلنا وأسكنا ، من التبوء ، وهو اتخاذ المباءة أى : المنزل والمسكن.
وفي إضافة المبوأ إلى الصدق مدح له ، فقد جرت عادة العرب على أنهم إذا مدحوا شيئا أضافوه إلى الصدق فقالوا : رجل صدق إذا كان متحليا بمكارم الأخلاق.
قال الآلوسى : «والمراد بهذا المبوأ ، كما رواه ابن المنذر وغيره عن الضحاك : الشام ومصر ، فإن بنى إسرائيل الذين كانوا في زمان موسى ـ عليهالسلام ـ وهم المرادون هنا ، ملكوا ذلك حسبما ذهب إليه جمع من الفضلاء (٣).
وأخرج أبو الشيخ وغيره عن قتادة أن المراد به الشام وبيت المقدس ، واختاره بعضهم ، بناء على أن أولئك لم يعودوا إلى مصر بعد ذلك.
وينبغي أن يراد ببني إسرائيل على القولين ، ما يشمل ذريتهم بناء على أنهم ما دخلوا الشام في حياة موسى ـ عليهالسلام ـ إنما دخلها أبناؤهم ـ بقيادة يوشع بن نون.
وقيل المراد به أطراف المدينة إلى جهة الشام ، وببني إسرائيل ؛ الذين كانوا على عهد نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٢ ص ٤٧٠.
(٢) تفسير أبن كثير ج ٤ ص ٢٢٩.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٦٧.