يقول : إن الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه ، فإن الله ـ تعالى ـ سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله.
كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء ، وكخبث هذه الأجسام ، فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه ، فهذا مثل الباطل.
وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المراعى فيمكث في الأرض ، وكذلك الصافي من هذه الأجسام فإنه يبقى خالصا لا شوب فيه ، وهو مثل الحق.
وقال الزجاج : فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء ، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر لأنها كلها تبقى منتفعا بها.
ومثل الكافر وكفره كمثل الزبد الذي يذهب جفاء ، وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك عاقبة أهل الحق ، وعاقبة أهل الباطل فقال ـ تعالى ـ : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ...).
أى : للمؤمنين الصادقين ، الذين أطاعوا ربهم في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه ، المثوبة الحسنى ، وهي الجنة.
فالحسنى يصح أن تكون صفة لموصوف محذوف ، ويصح أن تكون مبتدأ مؤخرا ، وخبره «للذين استجابوا لربهم».
«والذين لم يستجيبوا له» ـ سبحانه ـ ولم ينقادوا لأمره أو نهيه وهم الكفار «لو أن لهم ما في الأرض جميعا» من أصناف الأموال ، ولهم أيضا «مثله معه لافتدوا به» أى لهان عليهم ـ مع نفاسته وكثرته ـ أن يقدموه فداء لأنفسهم من عذاب يوم القيامة.
فالضمير في قوله «ومثله معه» يعود إلى ما في الأرض جميعا من أصناف الأموال وفي ذلك ما فيه من تهويل ما يلقونه من عذاب أليم جزاء كفرهم وجحودهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء مصيرهم فقال : «أولئك لهم سوء الحساب» أى : أولئك الذين لم يستجيبوا لربهم لهم الحساب السيئ الذي لا رحمة معه ، ولا تساهل فيه.
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ٨٥.