وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم ، وما يعلمه من فسوق قومه ...» (١).
ـ و (ذَرْعاً) تمييز محول عن الفاعل. أى : ضاق بأمرهم ذرعه.
(وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) : أى وقال لوط ـ عليهالسلام ـ في ضجر وألم : هذا اليوم الذي جاءني فيه هؤلاء الضيوف ، يوم «عصيب» أى : شديد هوله وكربه.
وأصل العصب : الشد والضغط ، فكأن هذا اليوم لشدة وقعه على نفسه قد عصب به الشر والبلاء ، أى : شد به.
قال صاحب تفسير التحرير والتنوير : ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها في الوجود ، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يساء به ويتطلب المخلص منه ، فإذا علم أنه لا مخلص له منه ضاق به ذرعا. ثم يصدر تعبيرا عن المعاني يريح به نفسه» (٢).
ـ ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان من قوم لوط ـ عليهالسلام ـ عند ما علموا بوجود هؤلاء الضيوف عنده فقال : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ. وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ...).
ـ ويهرعون ـ بضم الياء وفتح الراء على صيغة المبنى للمفعول ـ أى : يدفع بعضهم بعضا بشدة ، كأن سائقا يسوقهم إلى المكان الذي فيه لوط وضيوفه.
يقال : هرع الرجل وأهرع ـ بالبناء للمفعول فيهما ـ إذا أعجل وأسرع لدافع يدفعه إلى ذلك.
قال الآلوسى : والعامة على قراءته مبنيا للمفعول ، وقرأ جماعة يهرعون ـ بفتح الياء مع البناء للفاعل ـ من هرع ـ بفتح الهاء والراء ـ وأصله من الهرع وهو الدم الشديد السيلان ، كأن بعضه يدفع بعضا (٣).
أى : وبعد أن علم قوم لوط بوجود هؤلاء الضيوف عند نبيهم ، جاءوا إليه مسرعين يسوق بعضهم بعضا إلى بيته من شدة الفرح ، ومن قبل هذا المجيء ، كان هؤلاء القوم الفجرة ، يرتكبون السيئات الكثيرة ، التي من أقبحها إتيانهم الرجال شهوة من دون النساء.
وقد طوى القرآن الكريم ذكر الغرض الذي جاءوا من أجله ، وأشار إليه بقوله : (وَمِنْ
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ٧٤.
(٢) تفسير التحرير والتنوير للشيخ ابن عاشور ج ١٢ ص ١٣٥.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ٩٥.