أى قال إخوة يوسف له بعد أن أكد لهم وجوب إحضار أخيهم لأبيهم معهم : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أى : سنطلب حضوره معنا من أبيه برفق ولين ومخادعة ومحايلة «وإنا لفاعلون» هذه المراودة باجتهاد لا كلل ولا ملل معه وفاء لحقك علينا.
وقولهم هذا يدل دلالة واضحة على أنهم كانوا يشعرون بأن إحضار أخيهم لأبيهم معهم ـ وهو «بنيامين» الشقيق الأصغر ليوسف ـ ، ليس أمرا سهلا أو ميسورا ، وإنما يحتاج إلى جهد كبير مع أبيهم حتى يقنعوه بإرساله معهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما فعله يوسف مع إخوته وهم على وشك الرحيل فقال : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ ، لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
والفتيان : جمع فتى والمراد بهم هنا من يقومون بخدمته ومساعدته في عمله.
والبضاعة في الأصل : القطعة الوفيرة من الأموال التي تقتنى للتجارة ، مأخوذة من البضع بمعنى القطع.
والمراد بها هنا : أثمان الطعام الذي أعطاه لهم يوسف ـ عليهالسلام ـ.
والرحال : جمع رحل ، وهو ما يوضع على البعير من متاع الراكب.
والمعنى : وقال يوسف ـ عليهالسلام ـ لفتيانه الذين يقومون بتلبية مطالبه : أعيدوا إلى رحال هؤلاء القوم ـ وهم إخوته ـ الأثمان التي دفعوها لنا في مقابل ما أخذوه منا من طعام ، وافعلوا ذلك دون أن يشعروا بكم ، لعل هؤلاء القوم عند ما يعودون إلى بلادهم ، ويفتحون أمتعتهم ، فيجدون فيها الأثمان التي دفعوها لنا في مقابل ما أخذوه من طعام وغيره.
لعلهم حينئذ يرجعون إلينا مرة أخرى ، ليدفعوها لنا في مقابل ما أخذوه.
وكأن يوسف ـ عليهالسلام ـ أراد بفعله هذا حملهم على الرجوع إليه ومعهم «بنيامين» لأن من شأن النفوس الكبيرة أن تقابل الإحسان بالإحسان وأن تأنف من أخذ المبيع دون أن تدفع لصاحبه ثمنه.
وقوله (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) تعليل لأمره فتيانه بجعل البضاعة في رحال إخوته. إذ أن معرفتهم بأن بضاعتهم قد ردت إليهم لا يتم إلا بعد انقلابهم ـ أى رجوعهم ـ إلى أهلهم ، وبعد تفريغها عندهم.
وقوله «لعلهم يرجعون» جواب للأمر. أى : اجعلوها كذلك ، لعلهم بعد اكتشافهم أنهم ما دفعوا لنا ثمن ما أخذوه ، يرجعون إلينا ليدفعوا لنا حقنا.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عما دار بين يوسف وإخوته بعد أن دخلوا عليه