وهو سريره. وإخوته بين يديه ... وخروا له سجدا وقال : يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل ، قد جعلها ربي حقا ...» (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما قاله يعقوب لابنه يوسف بعد أن قص عليه رؤياه فقال : (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ، إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
وقوله (يا بُنَيَ) تصغير ابن. والتصغير هنا سببه صغر سنه مع الشفقة عليه ، والتلطيف معه.
وقوله (رُؤْياكَ) من الرؤيا التي هي مصدر رأى العلمية الدالة على ما وقع للإنسان في نومه ، أما رأى البصرية فيقال في مصدرها الرؤية.
وقوله «فيكيدوا لك ..» من الكيد وهو الاحتيال الخفى بقصد الإضرار والفعل كاد يتعدى بنفسه ، فيقال : كاده يكيده كيدا ، إذا احتال لإهلاكه. ولتضمنه معنى احتال عدى باللام.
والمعنى : قال يعقوب لابنه يوسف ـ عليهماالسلام ـ بشفقة ورحمة ، بعد أن سمع منه ما رآه في منامه : «يا بنى» لا تخبر إخوتك بما رأيته في منامك فإنك إن أخبرتهم بذلك احتالوا لإهلاكك احتيالا خفيا ، لا قدرة لك على مقاومته أو دفعه ..
وإنما قال له ذلك ، لأن هذه الرؤيا تدل على أن الله ـ تعالى ـ سيعطى يوسف من فضله عطاء عظيما. ويهبه منصبا جليلا ، ومن شأن صاحب النعمة أن يكون محسودا من كثير من الناس ، فخاف يعقوب من حسد إخوة يوسف له ، إذا ما قص عليهم رؤياه ، ومن عدوانهم عليه.
والتنوين في قوله «كيدا» للتعظيم والتهويل ، زيادة في تحذيره من قص الرؤيا عليهم.
وجملة «إن الشيطان للإنسان عدو مبين» واقعة موقع التعليل للنهى عن قص الرؤيا على إخوته ، وفيها إشارة إلى أن الشيطان هو الذي يغريهم بالكيد له إذا ما قص عليهم ما رآه ، وهو بذلك لا يثير في نفسه الكراهة لإخوته.
أى : لا تخبر إخوتك بما رأيته في منامك ، فيحتالوا للإضرار بك حسدا منهم لك ، وهذا الحسد يغرسه الشيطان في نفوس الناس ، لتتولد بينهم العداوة والبغضاء ، فيفرح هو بذلك ، إذ كل قبيح يقوله أو يفعله الناس يفرح له الشيطان.
هذا ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية أحكاما منها :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٩٨.