ركبوا في السفن أن يقولوا : بسم الله الملك .. بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حال السفينة وهي تمخر بهم عباب الماء فقال :
(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ).
والموج : ما ارتفع من ماء البحر عند اضطرابه. وأصله من ماج الشيء يموج إذا اضطرب ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت. بم اتصل قوله ـ تعالى ـ (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ)؟
قلت : اتصل بمحذوف دل عليه اركبوا فيها باسم الله ، كأنه قيل : فركبوا فيها وهم يقولون : باسم الله ، وهي تجرى بهم. أى تجرى بهم وهم فيها في موج كالجبال ، يريد موج الطوفان ، شبه كل موجة بالجبل في تراكمها وارتفاعها .. (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ : يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) تصوير لتلك اللحظة الرهيبة الحاسمة التي أبصر فيها نوح ـ عليهالسلام ـ ابنه الكافر وهو منعزل عنه وعن جماعة المؤمنين.
والمعزل : مكان العزلة ، أى : الانفراد.
أى : وقبل أن يشتد الطوفان وترتفع أمواجه ، رأى نوح ابنه كنعان ، وكان هذا الابن في مكان منعزل ، فقال له نوح بعاطفة الأبوة الناصحة الملهوفة يا بنى اركب معنا في السفينة ، ولا تكن مع القوم الكافرين الذين سيلفهم الطوفان بين أمواجه عما قريب. ولكن هذه النصيحة الغالية من الأب الحزين على مصير ابنه ، لم تجد أذنا واعية من هذا الابن العاق المغرور ، بل رد على أبيه : (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ..).
أى : قال : سألتجئ إلى جبل من الجبال الشاهقة ، لكي أتحصن به من وصول الماء إلى.
وهنا يرد عليه أبوه الرد الأخير فيقول ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ..).
أى : قال نوح لابنه : لا معصوم اليوم من عذاب الله إلا من رحمه ـ سبحانه ـ بلطفه وإحسانه ، وأما الجبال وأما الحصون .. وأما غيرهما من وسائل النجاة ، فسيعلوها الطوفان ، ولن تغنى عن المحتمى بها شيئا.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١٥٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٧٠.