عن الحق بل يحاولون صرف غيرهم عنه ويطلبون لملة الإسلام العوج ويصفونها بذلك تنفيرا للناس منها ، وقوله عوجا مفعول ثان ليبغون ، أو حال من سبيل الله.
وقوله (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) بيان لعقيدتهم الباطلة في شأن البعث والحساب.
أى : وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب كافرون.
وكرر الضمير (هُمْ) لتأكيد كفرهم وللإشارة إلى أنهم بلغوا فيه مبلغا لم يبلغه أحد سواهم حتى لكأن كفر غيرهم يسير بالنسبة لكفرهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه كان قادرا على تعذيبهم في الدنيا قبل الآخرة ولكنه أخر عذابهم إملاء لهم فقال : (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ...).
وقوله : معجزين من الإعجاز بمعنى عدم المقدرة على الشيء.
أى : أولئك الذين افتروا على الله الكذب لم يكن ـ سبحانه ـ عاجزا عن إنزال العذاب الشديد بهم في الدنيا. وما كان لهم من غيره من نصراء ينصرونهم من بأسه لو أراد إهلاكهم.
قال الإمام الرازي : قال الواحدي : معنى الإعجاز المنع من تحصيل المراد ، يقال أعجزنى فلان أى : منعني عن مرادى ...
والمقصود أن قوله (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) دل على أنه لا قدرة لهم على الفرار.
وقوله : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) دل على أن أحدا لا يقدر على تخليصهم من عذابه. فجمع ـ سبحانه ـ بين ما يرجع إليهم وبين ما يرجع إلى غيرهم ، ووضح بذلك انقطاع حيلهم في الخلاص من عذاب الدنيا والآخرة» (١).
وقوله : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) جملة مستأنفة لبيان أن من حكمة تأخير العذاب عنهم في الدنيا مضاعفة العذاب لهم في الآخرة.
وقوله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) تصوير بليغ لاستحواذ الشيطان عليهم.
أى أن هؤلاء المجرمين بلغ بهم الجهل والعناد والجحود أنهم ما كانوا يستطيعون السماع للحق الذي جاءهم من ربهم لثقله على نفوسهم الفاسدة ، وما كانوا يبصرون المعجزات الدالة على صدق نبيهم صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ٢٠٦.