ووصفهم ثالثا برفع رءوسهم في حيرة واضطراب ، ووصفهم رابعا : بانفتاح عيونهم دون أن تطرف من شدة الوجل ، ووصفهم خامسا بخلو قلوبهم من إدراك أى شيء بسبب ما اعتراهم من دهشة ورعب.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) من باب التشبيه البليغ الذي حذفت فيه الأداة ، والتقدير : وقلوبهم كالهواء في الخلو من الإدراك من شدة الهول.
ثم أمر الله تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يحذر الناس من أهوال هذا اليوم ، وأن يقدموا العمل الصالح الذي ينفعهم فقال ـ تعالى ـ (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ...).
والإنذار : التخويف من ارتكاب شيء تسوء عاقبته.
والمراد بالناس : جميعهم ، وقيل المراد بهم الكفار. ويبدو أن الأول أرجح لأن الإنذار يكون للمؤمن كما يكون للكافر ، إلا أن المؤمن يستجيب للنصح فينجو من العقاب ، والكافر لا يستجيب فيحل عليه العذاب.
والمعنى : وخوف ـ أيها الرسول الكريم ـ الناس من أهوال يوم القيامة ، ومرهم بأن يستعدوا له بالإيمان والعمل الصالح ، من قبل أن يحل عذابه بالظالمين منهم فيقولون : يا ربنا أعدنا إلى الحياة مرة أخرى ، وأخر أعمارنا وحسابنا إلى وقت قريب ، حتى نستطيع فيه أن نستجيب لدعوتك التي تأمرنا بإخلاص العبادة لك ، وأن نتبع رسلك في كل ما أمرونا به ونتدارك ما فرطنا فيه من أعمال الدنيا.
قال الجمل : «وقوله : «يوم يأتيهم العذاب ...» مفعول ثان لأنذر على حذف المضاف ، أى : أنذرهم أهواله وعظائمه ، فهو مفعول به لا مفعول فيه ، إذ لا إنذار في ذلك اليوم ، وإنما الإنذار يقع في الدنيا ..» (١).
وإنما اقتصر ـ سبحانه ـ على ذكر إتيان العذاب في هذا اليوم. مع كون الثواب يحصل فيه ـ أيضا ـ لأن المقام مقام تهديد وزجر ، فكان من المناسب ذكر أهواله وشدائده.
وجمع لفظ الرسل فقال : «نجب دعوتك ونتبع الرسل» للإشارة إلى أن الرسل جميعا قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها وأصولها ، وهي إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٣٢.