والمنكرات ، فحق عليهم العقاب الذي يستحقونه بسبب هذه السيئات.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن رحمته بعباده تقتضي عدم ظلمه لهم فقال : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).
والمراد بالظلم هنا ما يشمل الإشراك بالله ـ تعالى ـ وغيره من الوقوع في المعاصي والمنكرات.
والباء في (بِظُلْمٍ) للملابسة ، والتنوين فيه للإشعار بأن إهلاك المصلحين ظلم عظيم يتنزه الله ـ تعالى ـ عنه على أبلغ وجه ، وإن كانت أفعاله ـ عزوجل ـ لا ظلم فيها أيا كانت هذه الأفعال.
والمعنى : وما كان من شأن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن يهلك أهل قرية من القرى إهلاكا متلبسا بظلم منه لها ، والحال أن أهلها قوم مصلحون ، لأن ذلك الإهلاك مع تلك الحال يتنافى مع ما كتبه على نفسه من الرحمة والعدل.
قال ـ تعالى ـ (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ...) وقال ـ تعالى ـ (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).
وقال ـ تعالى ـ (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ).
ومنهم من فسر الظلم هنا بالشرك ، وجعل الباء للسببية ، فيكون المعنى : ليس من شأن ربك أن يهلك أهل قرية من القرى بسبب كفرهم وحده ، مع صلاحهم في تعاطى الحقوق فيما بينهم ، وإنما يهلكهم عند ما يضمون إلى الكفر الإفساد في الأرض كما أهلك قوم شعيب لشركهم وإنقاصهم المكيال والميزان.
وقد ساق ابن جرير ـ رحمهالله ـ القولين دون أن يرجح بينهما فقال : القول في تأويل قوله ـ تعالى ـ (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).
يقول ـ تعالى ـ ذكره : وما كان ربك يا محمد ليهلك القرى التي أهلكها والتي قص عليك نبأها ظلما وأهلها مصلحون في أعمالهم غير مسيئين ، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربهم ظلما ، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله ؛ وتماديهم في غيهم ..
وقد قيل معنى ذلك : لم يكن ليهلكهم بشركهم بالله : وذلك قوله بظلم يعنى بشرك ، وأهلها مصلحون فيما بينهم لا يتظالمون ، ولكنهم يتعاطون الحق بينهم وإن كانوا مشركين ، وإنما يهلكهم إذا تظالموا» (١).
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٢ ص ٨٤.