والمعنى : ولقد أنزلنا بنى إسرائيل بعد هلاك عدوهم فرعون منزلا صالحا مرضيا ، فيه الأمان ، والاطمئنان لهم ، وأعطيناهم فوق ذلك الكثير من ألوان المأكولات والمشروبات الطيبات التي أحللناها لهم.
وقوله : (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ ....) توبيخ لهم على موقفهم الجحودى من هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم.
أى : أنهم ما تفرقوا في أمور دينهم ودنياهم على مذاهب شتى ، إلا من بعد ما جاءهم العلم الحاسم لكل شبهة ، وهو ما بين أيديهم من الوحى الذي أمرهم الله ـ تعالى ـ أن يتلوه حق تلاوته ، وان لا يستخدموه في التأويلات الباطلة.
فالجملة الكريمة توبخهم على جعلهم العلم الذي كان من الواجب عليهم أن يستعملوه ـ في الحق والخير ـ وسيلة للاختلاف والابتعاد عن الطريق المستقيم.
وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) تذييل قصد به الزجر عن الاختلاف واتباع الباطل.
أى : إن ربك يفصل بين هؤلاء المختلفين ، فيجازى أهل الحق بما يستحقونه من ثواب ، ويجازى أهل الباطل بما يستحقونه من عقاب.
وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصة موسى ـ عليهالسلام ـ مع فرعون وملئه ، ومع قومه بنى إسرائيل ، وجه القرآن خطابا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تثبيتا لقلبه ، وتسلية له عما أصابه من أذى ، فقال ـ تعالى ـ :
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ)(٩٧)