والخبر الأول وإن كان ظاهرا في المقصود ، لكن ينبغي تأويله ، كأن يقال : لعله صلىاللهعليهوسلم اطلع على أن في صدر الرجل مرضا معنويا قلبيا ، قد صار سببا للمرض الحسى البدني ، فأمره صلىاللهعليهوسلم بقراءة القرآن ليزول عنه الأول فيزول الثاني.
والحسن البصري ينكر كون القرآن شفاء للأمراض ، فقد أخرج أبو الشيخ عنه أنه قال : إن الله ـ تعالى ـ جعل القرآن شفاء لما في الصدور ، ولم يجعله شفاء لأمراضكم ، والحق ما ذكرنا» (١).
وقوله : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) حض للناس على اغتنام ما في تعاليم الإسلام من خيرات ، وإيثارها على ما في الدنيا من شهوات.
أى : قل يا محمد لمن يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة : اجعلوا فرحكم الأكبر ، وسروركم الأعظم ، بفضل الله الذي شرع لكم هذا الدين على لسان رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وبرحمته التي وسعت كل شيء وهي بالمؤمنين أوسع ، لا بما تجمعون في هذه الدنيا من أموال زائلة ومتع فانية.
وقد فسر بعضهم فضل الله ورحمته بالقرآن ، ومنهم من فسر فضل الله بالقرآن ، ورحمته بالإسلام. ومنهم من فسرهما بالجنة والنجاة من النار.
ولعل تفسير هما بما يشمل كل ذلك أولى : لأنه لم يرد نص صحيح عن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم يحدد المراد منهما ، وما دام الأمر كذلك فحملهما على ما يشمل الإسلام والقرآن والجنة أولى.
قال ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) أى : بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى مما يفرحون به من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية والذاهبة لا محالة.
فعن أيفع بن عبد الكلاعى قال : لما قدم خراج العراق إلى عمر ـ رضى الله عنه ـ خرج عمر ومولى له ، فجعل يعد الإبل ، فإذا هي أكثر من ذلك ، فجعل عمر يقول : الحمد لله ـ تعالى ـ ويقول مولاه : هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر : كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله ـ تعالى ـ (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٤٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٢١.