أى : قال يوسف مدافعا عن نفسه : إنى ما أردت بها سوءا كما تزعم وإنما هي التي بالغت في ترغيبى وإغرائى بارتكاب ما لا يليق معها ..
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ* وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
وهذا الشاهد ذهب بعضهم إلى أنه كان ابن خال لها ، وقيل ابن عم لها ...
قال صاحب المنار : «ولكن الرواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ، أنه كان صبيا في المهد ، ويؤيدها ما رواه أحمد وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «تكلم في المهد أربعة وهم : صغار ابن ماشطة ابنة فرعون. وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم».
وروى ابن جرير عن أبى هريرة قال : «عيسى بن مريم وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا في المهد» وهذا موقوف ، والمرفوع ضعيف ، وقد اختاره ابن جرير ، وحكاه ابن كثير بدون تأييد ولا تضعيف ...» (١).
وعلى أية حال فالذي يهمنا أن الله ـ تعالى ـ قد سخر في تلك اللحظة الحرجة ، من يدلى بشهادته لتثبت براءة يوسف أمام العزيز.
وألقى الله ـ تعالى ـ هذه الشهادة على لسان من هو من أهلها ، لتكون أوجب للحجة عليها ، وأوثق لبراءة يوسف ، وأنفى للتهمة عنه.
وقد قال هذا الشاهد في شهادته ـ كما حكى القرآن عنه ـ (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) أى : من أمام «فصدقت» في أنه أراد بها سوءا ، لأن ذلك يدل على أنها دافعته من الأمام وهو يريد الاعتداء عليها. «وهو من الكاذبين» في قوله «هي راودتني عن نفسي».
(وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أى من خلف (فَكَذَبَتْ) في دعواها على أنه أراد بها سوءا ، لأن ذلك يدل على أنه حاول الهرب منها ، فتعقبته حتى الباب ، وأمسكت به من الخلف (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواه أنها راودته عن نفسه.
وسمى القرآن الكريم ذلك الحكم بينهما شهادة ، لأن قوله هذا يساعد على الوصول إلى الحق في قضية التبس فيها الأمر على العزيز.
وقدم الشاهد في شهادته الغرض الأول وهو ـ إن كان قميصه قد من قبل ـ لأنه إن صح
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٢ ص ٢٨٧.