أى : ليس هذا المال هو المعنى بهذه الآية ، وإنما فضل الله ورحمته يتمثل فيما جاءهم من الله ـ تعالى ـ من دين قويم ، ورسول كريم ، وقرآن مبين.
ودخلت الباء على كل من الفضل والرحمة ، للإشعار باستقلال كل منهما بالفرح به.
والجار والمجرور في كل منهما متعلق بمحذوف ، وأصل الكلام : قل لهم يا محمد ليفرحوا بفضل الله وبرحمته ، ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة الاختصاص ، وأدخلت الفاء لإفادة السببية ، فكأنه قيل : إن فرحوا بشيء فليكن بسبب ما أعطاهم الله ـ تعالى ـ من فضل ورحمة ، لا بسبب ما يجمعون من زينة الحياة الدنيا.
قال القرطبي : «والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب. وقد ذم الله الفرح في مواضع ، كقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) وكقوله (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) ولكنه مطلق. فإذا قيد الفرح لم يكن ذما ، لقوله ـ تعالى ـ (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) وكقوله ـ سبحانه ـ هنا (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) أى بالقرآن والإسلام فليفرحوا ...» (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يرد أيضا على أولئك الذين أحلوا وحرموا على حسب أهوائهم دون أن يأذن الله لهم بذلك فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ، قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) أى : قل لهم يا محمد ـ أيضا ـ أخبرونى أيها المبدلون لشرع الله على حسب أهوائكم : إن الله ـ تعالى ـ قد أفاض عليكم ألوانا من الرزق الحلال فجئتم أنتم ، وقسمتم هذا الرزق الحلال ، فجعلتم منه حلالا وجعلتم منه حراما.
وقد حكى الله ـ تعالى ـ فعلهم هذا في آيات متعددة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) (٢).
قال الإمام ابن كثير : «قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم ، نزلت إنكارا على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصائل كقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ...) الآيات.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن أبى إسحاق ، سمعت أبا الأحوص وهو عوف بن مالك بن نضلة يحدث عن أبيه قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا رث الهيئة فقال : هل لك مال؟ قلت : نعم. قال : من أى المال؟ قال : قلت : من كل
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٥٤.
(٢) سورة الأنعام الآية ص ١٣٩.