أى : نصيب برحمتنا وفضلنا وعطائنا من نشاء عطاءه من عبادنا بمقتضى حكمتنا ومشيئتنا.
(وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الذين يتقنون أداء ما كلفهم الله بأدائه ، بل نوفيهم أجورهم على إحسانهم في الدنيا قبل الآخرة إذا شئنا ذلك.
(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) وأبقى (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالله ـ تعالى ـ إيمانا حقا (وَكانُوا يَتَّقُونَ) خالقهم ـ عزوجل ـ في كل ما يأتون وما يذرون ، بأن يصونوا أنفسهم عن كل ما يغضبه.
وهكذا كافأ الله ـ تعالى ـ يوسف على صبره وتقواه وإحسانه ، بما يستحقه من خير وسعادة في الدنيا والآخرة.
ثم تطوى السورة بعد ذلك أحداثا نكل معرفتها إلى فهم القارئ وفطنته ، فهي لم تحدثنا ـ مثلا ـ عن الطريقة التي اتبعها يوسف في إدارته لخزائن أرض مصر ، اكتفاء بقوله (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) للدلالة على كفايته وأمانته.
كذلك لم تحدثنا عن أحوال الناس في السنوات السبع العجاف ، وفي السنوات الخضر لأن هذا مقرر ومعروف في دنيا الناس.
كذلك لم تحدثنا عن صلة الملك وحاشيته بيوسف ، بعد أن صار أمينا على خزائن الأرض ، بل أفسحت المجال كله للحديث عن يوسف ، إنزالا للناس منازلهم ، إذ هو صاحب التفسير الصحيح لرؤيا الملك ، وصاحب الأفكار الحكيمة التي أنقذت الأمة من فقر سبع سنوات شداد ، وصاحب الدعوة إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ وإخلاص العبادة له ، بين قوم يشركون مع الله في العبادة آلهة أخرى.
لم تحدثنا السورة الكريمة عن كل ذلك ، في أعقاب حديثها عن تمكين الله ـ تعالى ـ ليوسف في الأرض ، وإنما انتقلت بنا بعد ذلك مباشرة إلى الحديث عن لقاء يوسف بإخوته ، وعما دار بينه وبينهم من محاورات ، وعن إكرامه لهم ...
قال تعالى :
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ