إلا لأجل الجهل بحقيقة الأمر ، والاغترار بظاهر الحال ، كما هو عادة الأطفال (١).
ثم أضاف نوح ـ عليهالسلام ـ إلى تهديدهم تهديدا آخر فقال : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ).
أى : فسوف تعلمون عما قريب ، من منا الذي سينزل عليه العذاب المخزى المهين في الدنيا ، ومن منا الذي سيحل عليه العذاب الدائم الخالد في الآخرة.
وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد قررت حكم الله الفاصل في شأن قوم نوح ـ عليهالسلام ـ بعد أن لبث فيهم زمنا طويلا يدعوهم إلى الحق ، ولكنهم صموا آذانهم عنه فماذا كان من أمره وأمرهم بعد ذلك.
كان من أمره وأمرهم بعد ذلك أن أمر الله ـ تعالى ـ نوحا ـ عليهالسلام ـ أن يحمل في السفينة بعد أن أتم صنعها من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكرا وأنثى ، ثم نزل الطوفان ، وسارت السفينة بمن فيها ، وأغرق الله ـ تعالى ـ الظالمين ، وقد حكى ـ سبحانه ـ كل ذلك فقال ـ تعالى.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ١٢٤.