و «مكنا» من التمكين بمعنى التثبيت ، والمراد بالأرض : أرض مصر التي نزل فيها.
أى : ومثل ذلك التمكين البديع الدال على رعايتنا له ، مكنا ليوسف في أرض مصر ، حتى صار أهلا للأمر والنهى فيها.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) علة لمعلل محذوف ، فكأنه قيل : وفعلنا ذلك التمكين له ، لنعلمه من تأويل الأحاديث ، بأن نهبه من صدق اليقين ، واستنارة العقل ، ما يجعله يدرك معنى الكلام إدراكا سليما ، ويفسر الرؤى تفسيرا صحيحا صادقا.
وقوله : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) تذييل قصد به بيان قدرة الله ـ تعالى ـ ونفاذ مشيئته.
فأمر الله هنا : هو ما قدره وأراده.
أى : والله ـ تعالى ـ متمم ما قدره وأراده ، لا يمنعه من ذلك مانع ، ولا ينازعه منازع ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك حق العلم ، فيما يأتون ويذرون من أقوال وأفعال.
والتعبير بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) احتراس لإنصاف ومدح القلة من الناس الذين يعطيهم الله ـ تعالى ـ من فضله ما يجعلهم لا يندرجون في الكثرة التي لا تعلم ، بل هو ـ سبحانه ـ يعطيهم من فضله ما يجعلهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظهرا آخر من مظاهر إنعامه على يوسف فقال : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
والأشد : قوة الإنسان ، وبلوغه النهاية في ذلك ، مأخوذ من الشدة بمعنى القوة والارتفاع ، يقال : شد النهار إذا ارتفع.
ويرى بعضهم أنه مفرد جاء بصيغة الجمع ويرى آخرون أنه جمع لا واحد له من لفظه وقيل هو جمع شدة كأنعم ونعمة.
والمعنى : وحين بلغ يوسف ـ عليهالسلام ـ منتهى شدته وقوته ، وهي السن التي كان فيها ـ على ما قيل ـ ما بين الثلاثين والأربعين.
(آتَيْناهُ) أى : أعطيناه بفضلنا وإحساننا.
(حُكْماً) أى : حكمة ، وهي الإصابة في القول والعمل أو هي النبوة.
و (عِلْماً) أى فقها في الدين. وفهما سليما لتفسير الرؤى ، وإدراكا واسعا لشئون الدين والدنيا.
وقوله : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أى : ومثل هذا الجزاء الحسن والعطاء الكريم ،