وروى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة بأن فيه من غير العربي مثل : سجيل ، والمشكاة ، واليم ، وإستبرق ونحو ذلك.
وهذا هو الصحيح المختار ، لأن هؤلاء أعلم من أبى عبيدة بلسان العرب ، وكلا القولين صواب ـ إن شاء الله ـ.
ووجه الجمع بينهما أن هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب ، ودارت على ألسنتهم صارت عربية فصيحة ، وإن كانت غير عربية في الأصل ، لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم ، وصارت لهم لغة ، فظهر بهذا البيان صحة القولين ، وأمكن الجمع بينهما» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هذا القرآن مشتمل على أحسن القصص وأحكمها وأصدقها فقال ـ تعالى ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ، بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ، وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ).
قال الفخر الرازي ما ملخصه : «القصص : اتباع الخبر بعضه بعضا ، وأصله في اللغة المتابعة قال ـ تعالى ـ (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ..) أى اتبعى أثره. وقال ـ تعالى ـ : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) أى : اتباعا. وإنما سميت الحكاية قصصا ، لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئا فشيئا ، كما يقال : «تلا فلان القرآن ، أى قرأه آية فآية» (٢).
والمعنى : نحن نقص عليك ـ أيها الرسول الكريم «أحسن القصص» أى : أحسن أنواع البيان ، وأوفاه بالغرض الذي سيق من أجله.
وإنما كان قصص القرآن أحسن القصص ، لاشتماله على أصدق الأخبار ، وأبلغ الأساليب ، وأجمعها للحكم والعبر والعظات.
والباء في قوله (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) للسببية متعلقة بنقص ، وما مصدرية.
أى : نقص عليك أحسن القصص ، بسبب إيحائنا إليك هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والذي هو في الذروة العليا في بلاغته وتأثيره في النفوس.
وجملة (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) في موضع الحال من كاف الخطاب في (إِلَيْكَ) و «وإن» مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٣٢.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ٨٥.