وقوله (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أى : ما هذا القرآن الذي تقرؤه عليهم إلا تذكير وعظة وهداية للعالمين كافة لا يختص به قوم دون قوم ، ولا جنس دون جنس.
قالوا : وهذه الجملة كالتعليل لما قبلها ، لأن التذكير العام لكل الناس ، يتنافى مع أخذ الأجرة من البعض دون البعض ، وإنما تتأتى الأجرة ، إذا كانت الدعوة خاصة وليست عامة.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هؤلاء المشركين تطالعهم الدلائل والبراهين الدالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، ولكنهم في عمى عنها فقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ).
و (كَأَيِّنْ) كلمة مركبة من كاف التشبيه وأى الاستفهامية المنونة ، ثم تنوسى معنى جزئيتها وصارت كلمة واحدة بمعنى كم الخبرية المفيدة للتكثير.
والمراد بالآية هنا : العبرة والعظمة الدالة على وحدانية الله وقدرته يمر بها هؤلاء المشركون فلا يلتفتون إليها ، ولا يتفكرون فيها ، ولا يعتبرون بها ، لأن بصائرهم قد انطمست بسبب استحواذ الأهواء والشهوات والعناد عليها.
قال ابن كثير ما ملخصه : يخبر ـ تعالى ـ في هذه الآية عن غفلة أكثر الناس عن التفكير في آيات الله ودلائل توحيده ، بما خلقه ـ سبحانه ـ في السموات من كواكب زاهرات ، وسيارات وأفلاك ... وفي الأرض من حدائق وجنات ، وجبال راسيات ، وبحار زاخرات ، وحيوانات ونبات ... فسبحان الواحد الأحد ، خالق أنواع المخلوقات ، المنفرد بالدوام والبقاء والصمدية ...» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم بجانب غفلتهم وجهالتهم ، لا يؤمنون إيمانا صحيحا فقال ـ تعالى ـ (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).
أى : وما يؤمن أكثر هؤلاء الضالين بالله في إقرارهم بوجوده ، وفي اعترافهم بأنه هو الخالق ، إلا وهم مشركون به في عقيدتهم وفي عبادتهم وفي تصرفاتهم ، فإنهم مع اعترافهم بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله لكنهم مع ذلك كانوا يتقربون إلى أصنامهم بالعبادة ويقولون (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى).
والآية تشمل كل شرك سواء أكان ظاهرا أم خفيا ، كبيرا أم صغيرا. وقد ساق ابن كثير هنا جملة من الأحاديث في هذا المعنى ، كلها تنهى عن الشرك أيا كان لونه ، منها قوله صلىاللهعليهوسلم :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٤١ طبعة دار الشعب.