أى : ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ، ويتبعك وينتفع بما أرسلت به ، ومنهم من لا يؤمن به أبدا لاستحبابه العمى على الهدى.
وعليه يكون المراد بمن يؤمن به ، أولئك الذين وفقهم الله لا تباع الحق عن يقين وإذعان.
وقيل إن المعنى : ومن قومك يا محمد أناس يؤمنون في قرارة نفوسهم بأن هذا القرآن من عند الله ، ولكنهم يكذبونك جحودا وعنادا ومنهم من لا يؤمن به أصلا لانطماس بصيرته ، وإيثاره الغي على الرشد.
وعلى هذا التفسير يكون المراد بمن يؤمن به : أولئك الذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم ، ولكن الغرور والجهل والحسد حال بينهم وبين اتباعه.
وقوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) أى : وربك أعلم بالمفسدين في الأرض بالشرك والظلم والفجور ، وسيحاسبهم على ذلك يوم الدين حسابا عسيرا ، ويذيقهم العذاب الذي يستحقونه ، فالمراد بالعلم هنا لازمه وهو الحساب والعقاب.
وقوله : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) إرشاد من الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم إذا ما لج أعداؤه في طغيانهم. أى : وإن تمادى هؤلاء الأشرار في طغيانهم وفي تكذيبهم لك يا محمد ، فقل لهم : أنا مسئول عن عملي أمام الله ، وأنتم مسئولون عن أعمالكم أمامه ـ سبحانه ـ وأنتم بريئون مما أعمله فلا تؤاخذونى عليه ، وأنا برىء كذلك من أعمالكم فلا يؤاخذنى الله عليها.
فالآية الكريمة تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من قومه. وإعلام له بأن وظيفته البلاغ ، أما حسابهم على أعمالهم فعلى الله ـ تعالى ـ.
ثم صور ـ سبحانه ـ ما عليه أولئك الجاحدون من جهالات مطبقة ، وغباء مستحكم فقال ـ تعالى ـ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ).
أى : ومن هؤلاء المشركين ـ يا محمد ـ من يستمعون إليك وأنت تقرأ عليهم القرآن وترشدهم إلى ما ينفعهم ، ولكنهم يستمعون بلا تدبر أو فهم ، فهل أنت ـ يا محمد ـ في إمكانك أن تسمع الصم ، ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم ، لأن الأصم العاقل ـ كما يقول صاحب الكشاف ـ ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوى الصوت ، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر.
ومنهم ـ أيضا ـ من ينظر إليك ، ويشاهد البراهين الدالة على صدقك ، فإن وجهك ليس بوجه كذاب ، ولكنه لا يتبع دعوتك جحودا وعنادا ، فهل أنت في إمكانك أن تهدى العمى ولو