والحمد هو الثناء باللسان على من صدرت منه النعمة ، وأل فيه للاستغراق أى : جميع أجناس الحمد ثابتة لله رب العالمين ، لأن كل ما يستحق أن يقابل بالثناء والحمد فهو صادر عنه ـ سبحانه ـ إذ هو الخالق لكل شيء.
وعلى في قوله «على الكبر» للاستعلاء المجازى وهي بمعنى مع. أى : وهب لي مع الكبر الذي لا تحصل معه في الغالب ولادة.
وإسماعيل هو الابن الأكبر لإبراهيم ، وقد رزقه الله به من زوجه هاجر كما سبق أن أشرنا ـ ، أما إسحاق فكان أصغر من إسماعيل ، وقد رزقه الله به من زوجه ساره.
قال الفخر الرازي : «اعلم أن القرآن يدل على أنه ـ تعالى ـ إنما أعطى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ هذين الولدين على الكبر والشيخوخة ، فأما مقدار ذلك السن فغير معلوم من القرآن. وإنما يرجع فيه إلى الروايات فقيل لما ولد إسماعيل كان سن إبراهيم تسعا وتسعين سنة ، ولما ولد إسحاق كان سنه مائة واثنتي عشرة سنة.
وإنما ذكر قوله «على الكبر لأن المنة بهبة الولد في هذا السن أعظم ، من حيث إن هذا الزمان زمان وقوع اليأس من الولادة ، والظفر بالحاجة في وقت اليأس من أعظم النعم ، ولأن الولادة في هذه السن المتقدمة كانت آية لإبراهيم» (١).
وجملة «إن ربي لسميع الدعاء» تعليل لجملة «وهب لي على الكبر» أى : وهب لي على الكبر هذين الولدين ، لأنه ـ سبحانه ـ سمع دعائي وتقبله ، وأجاب طلبى دون أن يخيبني.
فالسميع هنا مستعمل على سبيل المجاز في إجابة المطلوب ، ومنه قول القائل : سمع الملك كلام فلان ، إذا اعتد به وقبله وعمل بمقتضاه. وهو من إضافة الصفة المتضمنة للمبالغة إلى المفعول. أى : إن ربي يسمع دعائي ويجيبه.
ثم ختم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ تلك الدعوات الطيبات التي تضرع بها إلى ربه ، بما حكاه الله عنه في قوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ).
أى : يا رب اجعلنى من عبادك الذين يؤدون الصلاة في أوقاتها بإخلاص وخشوع ، واجعل من ذريتي من يقتدى بي في ذلك ، كما أسألك يا رب أن تتقبل دعائي ولا تخيبني في مطلوب أسألك إياه.
كما أسألك ـ يا إلهى ـ أن تغفر لي ذنوبي ، وأن تغفر لوالدي وللمؤمنين ، يوم يقوم الناس
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ١٣٨.