وعبر عن تقواهم بالفعل الدال على الحال والاستقبال للإيذان بأن اتقاءهم وابتعادهم عن كل ما يغضب الله من الأقوال والأفعال ، يتجدد ويستمر دون أن يصرفهم عن تقواهم وخوفهم منه ـ سبحانه ـ ترغيب أو ترهيب.
وقوله ـ سبحانه ـ (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) زيادة تكريم وتشريف لهم.
والبشرى والبشارة : الخبر السار ، فهو أخص من الخبر ، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهي ظاهر جلد الإنسان ، فيجعله متهلل الوجه ، منبسط الأسارير ، مبتهج النفس.
أى : لهم ما يسرهم ويسعدهم في الدنيا من حياة آمنة طيبة ، ولهم ـ أيضا ـ في الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله ، ومن دخول جنته.
قال الآلوسى ما ملخصه : «والثابت في أكثر الروايات ، أن البشرى في الحياة الدنيا ، هي الرؤيا الصالحة .. فقد أخرج الطيالسي وأحمد والدارمي والترمذي .. وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله ـ تعالى ـ (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فقال : «هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له».
وقيل المراد بالبشرى : البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن ، والذكر الجميل ، ومحبة الناس ، وغير ذلك.
ثم قال : وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في تفسير ذلك إذا صح. وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن تحمل البشرى في الدارين على البشارة بما يحقق نفى الخوف والحزن كائنا ما كان ...» (١).
وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) أى : لا تغيير ولا خلف لأقوال الله ـ تعالى ـ ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة ، على رأسها هذه البشرى التي تسعدهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يعود إلى ما ذكر من البشرى في الدارين.
أى : ذلك المذكور من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه ، والذي لا يفوقه نجاح أو فضل.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٥٢.