ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن اعتراض المشركين على بشرية الرسول صلىاللهعليهوسلم ليس إلا من قبيل التعنت والجحود ، لأن الرسل جميعا كانوا من البشر ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً ...).
أى : «ولقد أرسلنا رسلا» كثيرين «من قبلك» يا محمد «وجعلنا لهم» أى لهؤلاء الرسل «أزواجا» يسكنون إليهن «وذرية» أى : وأولادا تقرّ بهم أعينهم.
قال الشوكانى : «وفي هذا رد على من كان ينكر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم تزوجه بالنساء.
أى : هذا شأن رسل الله المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ...) رد على ما طلبوه منه صلىاللهعليهوسلم من معجزات.
أى : وما صح وما استقام لرسول من الرسل أن يأتى لمن أرسل إليهم بمعجزة كائنة ما كانت إلا بإذن الله وإرادته المبنية على الحكم والمصالح التي عليها يدور أمر الكائنات.
وقوله ـ سبحانه ـ (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) تهديد للمشركين الذين كانوا يتعجلون حصول المقترحات التي طلبوها منه صلىاللهعليهوسلم.
أى : لكل وقت من الأوقات «كتاب» أى : حكم معين يكتب على الناس حسبما تقتضيه مشيئته ـ سبحانه ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك مظهرا من مظاهر شمول قدرته ، وسعة علمه ، وعظيم حكمته فقال : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).
وقوله : (يَمْحُوا) من المحو وهو إذهاب أثر الشيء بعد وجوده.
وقوله : (وَيُثْبِتُ) من الإثبات وهو جعل الشيء ثابتا قارا في مكان ما.
وأم الكتاب : أصل الكتاب والمراد بأم الكتاب : اللوح المحفوظ ، أو علمه ـ سبحانه ـ المحيط بكل شيء.
قال الفخر الرازي : «والعرب تسمى كل ما يجرى مجرى الأصل للشيء أمّا له ومنه أمّ
__________________
(١) سورة الزمر الآية ٦٥.
(٢) تفسير الشوكانى ج ٣ ص ٨٨.