الكريم : فضيلة من جهة معانيه ومقاصده وهداياته وحكمه وأحكامه وتشريعاته ، وهو المعبر عنها بكونه «حكما».
وفضيلة من جهة ألفاظه ومفرداته وتراكيبه ، وهي المعبر عنها بكونه «عربيا».
أى : نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات وأغناها وأجملها.
ثم في كونه «عربيا» امتنان على العرب المخاطبين به ابتداء ، حيث إنه نزل بلغتهم ، فكان من الواجب عليهم أن يقابلوه بالفرح والتسليم لأوامره ونواهيه ، فهو الكتاب الذي فيه شرفهم وعزهم ، قال ـ تعالى ـ : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أى : فيه بقاء شرفكم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١).
وقال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (٢).
وفي ذلك تعريض بغباء مشركي العرب ، حيث لم يشكروا الله ـ تعالى ـ على هذه النعمة ، بل قابلوا من أنزل عليه هذا القرآن بالعناد والعصيان.
ثم ساق ـ سبحانه ـ تحذيرا للأمة كلها في شخص نبيها صلىاللهعليهوسلم من اتباع أهواء كل كافر أو فاسق : فقال ـ تعالى ـ : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ، ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ).
واللام في قوله (وَلَئِنِ) موطئة للقسم لتأكيد ما تضمنته من عقاب شديد لمتبع أهواء الكافرين.
والأهواء : جمع هوى ، والمراد بها آراؤهم المنحرفة عن الحق ، ومطالبهم المتعنتة ، والمراد بما جاءه من العلم : ما بلغه وعلمه من الدين عن طريق الوحى الصادق.
والولي : الناصر والمعين والقريب والحليف. والواقي : المدافع عن غيره.
والمعنى : «ولئن اتبعت» ـ يا محمد ـ على سبيل الفرض والتقدير أهواء هؤلاء الكافرين فيما يطلبونه منك ، «من بعد ما جاءك من العلم» اليقيني بأن الإسلام هو الدين الحق ، «مالك من الله» أى من عقباه «من ولى» يلي أمرك وينصرك «ولا واق» يقيك من حسابه. وسيق هذا التحذير في صورة الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم للتأكيد من مضمونه.
فكأنه ـ سبحانه يقول : لو اتبع أهواءهم ـ على سبيل الفرض ـ أكرم الناس عندي لعاقبته ، وأحق بهذا العقاب من كان دونه في الفضل والمنزلة ، وشبيه بهذه الآية قوله
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ١٠.
(٢) سورة الزخرف الآية ٤٤.