والضمير في قوله (مِنْ قَبْلِهِ) يعود إلى الإيحاء المفهوم من قوله (أَوْحَيْنا).
والمعنى : نحن نقص عليك أحسن القصص بسبب ما أوحيناه إليك من هذا القرآن. والحال أنك كنت قبل إيحائنا إليك بهذا القرآن ، من الغافلين عن تفاصيل هذا القصص ، وعن دقائق أخباره وأحداثه ، شأنك في ذلك شأن قومك الأميين.
قال تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ).
ثم حكى ـ سبحانه ـ قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ كمثال لأحسن القصص فقال ـ تعالى ـ (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ).
و (إِذْ) ظرف متعلق بمحذوف تقديره اذكر.
ويوسف : اسم أعجمى ، مشتق ـ كما يقول الآلوسى ـ من الأسف ، وسمى به لأسف أبيه عليه. وأبوه : هو يعقب بن إسحاق بن إبراهيم. وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وقوله : (يا أَبَتِ) أصله يا أبى ، فحذفت الياء وعوض عنها تاء التأنيث ، ونقلت إليها كسرة الباء ، ثم فتحت الباء لمناسبة تاء التأنيث.
والمعنى : اذكر ـ أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب ـ وقت أن قال يوسف لأبيه ، يا أبت إنى رأيت في منامي (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) تسجد لي ، ورأيت كذلك (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لي (ساجِدِينَ).
ولم يدرج الشمس والقمر في الكواكب مع أنهما منها ، لإظهار مزيتهما ورفعا لشأنهما ، وجملة (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها.
وأجريت هذه الكواكب مجرى العقلاء في الضمير المختص بها ، لوصفها بوصفهم حيث إن السجود من صفات العقلاء ، والعرب تجمع مالا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته.
قال ابن كثير : «وقد تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام : أن الأحد عشر كوكبا عبارة عن إخوته ، وكانوا أحد عشر رجلا ، والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه.
روى هذا عن ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة وسفيان الثوري ، وعبد الرحمن بن زيد ، وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة ، وقيل بعد ثمانين سنة ، وذلك حين رفع أبويه على العرش ،