وقوله ـ سبحانه ـ : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ...) بيان لبعض مظاهر رعاية الله ـ تعالى ـ ليوسف ـ عليهالسلام ـ.
والذي اشتراه ، قالوا إنه كان رئيس الشرطة لملك مصر في ذلك الوقت ولقبه القرآن بالعزيز كما سيأتى في قوله ـ تعالى ـ : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ...).
و (مِنْ مِصْرَ) صفة لقوله (الَّذِي اشْتَراهُ).
وامرأته : المراد بها زوجته ، واسمها كما قيل زليخا أو راعيل.
ومثواه من المثوى وهو مكان الإقامة والاستقرار. يقال : ثوى فلان بمكان كذا ، إذا أطال الإقامة به. ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ...) أى مقيما معهم.
أى : وقال الرجل المصرى الذي اشترى يوسف لامرأته : اجعلي محل إقامته كريما ، وأنزليه منزلا حسنا مرضيا.
وهذا كناية عن وصيته لها بإكرامه على أبلغ وجه ، لأن من أكرم المحل بتنظيفه وتهيئته تهيئة حسنة فقد أكرم صاحبه.
قال صاحب الكشاف : قوله (أَكْرِمِي مَثْواهُ) أى : اجعلي منزله ومقامه عندنا كريما : أى حسنا مرضيا بدليل قوله بعد ذلك (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ).
والمراد : تفقديه بالإحسان ، وتعهديه بحسن الملكة ، حتى تكون نفسه طيبة في صحبتنا ، ساكنة في كنفنا. ويقال للرجل : كيف أبو مثواك وأم مثواك؟ لمن ينزل به من رجل أو امرأة ، يراد هل تطيب نفسك بثوائك عنده وهل يراعى حق نزولك به؟ واللام في (لِامْرَأَتِهِ) متعلق بقال ...» (١).
وقوله : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ...) بيان لسبب أمره لها بإكرام مثواه.
أى : عسى هذا الغلام أن ينفعنا في قضاء مصالحنا ، وفي مختلف شئوننا ، أو نتبناه فيكون منا بمنزلة لولد ، فإنى أرى فيه علامات الرشد والنجابة ، وأمارات الأدب وحسن الخلق.
قالوا وهذه الجملة (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) توحى بأنهما لم يكن عندهما أولاد. والكاف في قوله ـ سبحانه ـ (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) في محل نصب ، على أنه نعت لمصدر محذوف والإشارة الى ما تقدم من إنجائه من إخوته ، وانتشاله من الجب ، ومحبة العزيز له ..
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣١٠.