«إنما تأنى وتثبت يوسف في إجابة الملك ، وقدم سؤال النسوة ، ليظهر براءة ساحته عما قذف به وسجن فيه ، لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده. ويجعلوه سلما إلى حط منزلته لديه ، ولئلا يقولوا : ما خلد في السجن إلا لأمر عظيم ، وجرم كبير ، حق به أن يسجن ويعذب ، ويستكف شره.
وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفى التهم ، واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها» (١).
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بعض الأحاديث في فضل يوسف ـ عليهالسلام ـ فقال ما ملخصه :
وقد وردت السنة بمدحه على ذلك ـ أى على امتناعه من الخروج من السجن حتى يتحقق الملك ورعيته من براءة ساحته ونزاهة عرضه ـ ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نحن أحق بالشك من إبراهيم ، إذ قال : رب أرنى كيف تحيى الموتى؟ قال : أو لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ، ويرحم الله لوطا ، لقد كان يأوى إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي».
وروى الإمام أحمد عن أبى هريرة في قوله ـ تعالى ـ (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ...) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو كنت أنا لأسرعت الإجابة ، وما ابتغيت العذر».
وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه ؛ والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجونى.
ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له ، حين أتاه الرسول ، ولو كنت مكانه لبادرتهم إلى الباب ، ولكنه أراد أن يكون له العذر» (٢).
هذا ، وقوله ـ سبحانه ـ (قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) حكاية لما فعله الملك بعد أن بلغه الرسول بما طلبه يوسف منه.
وفي الكلام حذف يفهم من السياق ، والتقدير : وبعد أن رجع رسول الملك إليه وأخبره بما قاله يوسف ، استجاب الملك لما طلبه يوسف منه ، فأخضر النسوة وقال لهن : ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٢٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣١٧ ، وما ورد في هذه الأحاديث إنما هو من باب التواضع من سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإلا فإنه صلىاللهعليهوسلم أقوى الرسل عزما ، وأرفعهم مقاما ، وأشدهم صبرا.