والخطب : مصدر خطب يخطب ، ويطلق ـ غالبا ـ على الأمر المهم الذي يجعل الناس يتحدثون فيه كثيرا ، وجمعه خطوب.
والمعنى : بعد أن جمع الملك النسوة قال لهن : ما الأمر الهام الذي حملكن في الماضي على أن تراودن يوسف عن نفسه؟ وهل وجدتن فيه ميلا إلى الاستجابة لكنّ ..؟
قال صاحب الظلال ما ملخصه : «والخطب الأمر الجلل ... فكأن الملك كان قد استقصى فعلم أمرهن قبل أن يواجههن ، وهو المعتاد في مثل هذه الأحوال ، ليكون الملك على بينة من الأمر وظروفه قبل الخوض فيه ، فهو يواجههن مقررا الاتهام ، ومشيرا إلى أمر لهن جلل ..
ومن هذا نعلم شيئا بما دار في حفل الاستقبال في بيت الوزير ، وما قالته النسوة ليوسف ، وما لمحن به وأشرن إليه ، من الإغراء الذي بلغ حد المراودة.
ومن هذا نتخيل صورة لهذه الأوساط ونسائها حتى في ذلك العهد الموغل في التاريخ ، فالجاهلية هي الجاهلية دائما ، وأنه حيثما كان الترف ، وكانت القصور والحاشية ، كان التحلل والتميع والفجور الناعم الذي يرتدى ثياب الأرستقراطية» (١).
وأمام هذه المواجهة التي واجههن بها الملك ، لم يملكن الإنكار ، بل قلن بلسان واحد : (حاشَ لِلَّهِ) أى : معاذ الله.
(ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) قط ، وإنما الذي علمناه منه هو الاستعصام عن كل سوء.
وهنا (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) ويبدو أنها كانت حاضرة ، معهن عند الملك.
(الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) أى : الآن ظهر الحق وانكشف انكشافا تاما بعد أن كان خافيا والفعل حصحص أصله حص ، كما قيل ، كبكب في كب ، وهو مأخوذ من الحص بمعنى الاستئصال والإزالة ، تقول : فلان حص شعره إذا استأصله وأزاله فظهر ما كان خافيا من تحته ...
ثم أضافت إلى ذلك قولها «أنا راودته عن نفسه» أى : أنا التي طلبت منه ما طلبت «وإنه لمن الصادقين» في قوله «هي راودتني عن نفسي».
وهكذا يشاء الله ـ تعالى ـ أن تثبت براءة يوسف على رءوس الأشهاد ، بتلك الطريقة التي يراها الملك ، وتنطق بها امرأة العزيز ، والنسوة اللائي قطعن أيديهن.
قال صاحب الكشاف : «ولا مزيد على شهادتهن له بالبراءة والنزاهة ، واعترافهن على
__________________
(١) في ظلال القرآن ج ١٢ ص ١٩٥٥.