والمعنى : إنى اعتمدت على الله ربي وربكم : ما من دابة تدب على وجه الأرض إلا والله ـ تعالى ـ مالكها وقاهر لها ، وقادر عليها ، ومتصرف فيها كما يتصرف المالك في ملكه.
وفي هذا التعبير الحكيم صورة حسية بديعة تناسب المقام ، كما تناسب غلظة قوم هود وشدتهم. وصلابة أجسامهم وبنيتهم ، وجفاف حسهم ومشاعرهم .. فكأنه ـ عليهالسلام ـ يقول لهم : إنكم مهما بلغتم من القوة والبطش ، فما أنتم الا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربي بناصيتها. ويقهرها بقوته قهرا يهلكها ـ إذا شاء ذلك ـ فكيف أخشى دوابا مثلكم مع توكلي على الله ربي وربكم؟!
ثم يتبع هذا الوصف الدال على شمول قدرة الله ـ تعالى ـ بوصف آخر يدل على عدالته وتنزهه عن الظلم فيقول : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
أى : إن ربي قد اقتضت سنته أن يسلك في أحكامه طريق الحق والعدل وما دام الأمر كذلك فلن يسلطكم على لأنه ـ حاشاه ـ أن يسلط من كان متمسكا بالباطل ، على من كان متمسكا بالحق.
واكتفى هنا بإضافة الرب إلى نفسه ، للإشارة إلى أن لطفه ـ سبحانه ـ يشمل هودا وحده ولا يشملهم ، لأنهم أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.
ثم ختم هود ـ عليهالسلام ـ رده على قومه ، بتحذيرهم من سوء عاقبة إصرارهم على كفرهم فقال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ...).
أى : فإن تتولوا عن دعوتي ، وتعرضوا عن الحق الذي جئتكم به من عند ربي ، فتكون عاقبتكم خسرا ، وأمركم فرطا.
أما أنا فقد أديت واجبى ، وأبلغتكم ما أرسلت به إليكم من عند ربي بدون تكاسل أو تقصير. وقوله (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) وعيد لهم بإهلاكهم وإحلال غيرهم محلهم.
أى : وهو ـ سبحانه ـ سيهلككم بسبب إصراركم على كفركم في الوقت الذي يشاؤه ، ويستخلف من بعدكم قوما آخرين سواكم ، يرثون دياركم وأموالكم ، ولن تضروا الله شيئا من الضرر بسبب إصراركم على كفركم ، وإنما أنتم الذين تضرون أنفسكم بتعريضها للدمار في الدنيا ، وللعذاب الدائم في الآخرة.
وقوله : (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أى : إن ربي قائم على كل شيء بالحفظ والرقابة والهيمنة ، وقد اقتضت سنته ـ سبحانه ـ أن يحفظ رسله وأولياءه ، وأن يخذل أعداءه.