والمراد بالشركاء ؛ كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وأوثان وغير ذلك.
أى : وقال شركاؤهم الذين أشركوهم في العبادة مع الله ـ تعالى ـ : إنكم أيها المشركون لم تكونوا لنا عابدين في الدنيا ، وإنما كنتم تعبدون أشياء أخرى زينها الشيطان لكم ؛ فانقدتم له بدون تدبر أو تعقل.
والمقصود بقولهم هذا ـ التبري من المشركين ، وتوبيخهم على أفكارهم الفاسدة.
وقوله : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) تأكيد لهذا التبري والإنكار ، ورجوع إلى الشهادة الحق في ذلك.
و (إِنْ) في قوله (إِنْ كُنَّا) مخففة من الثقيلة .. أى : فكفى أن يكون الله ـ تعالى ـ شهيدا وحكما بيننا وبينكم ، فهو ـ سبحانه ـ يعلم حالنا وحالكم ، ويعلم أننا كنا في غفلة عن عبادتكم لنا ، بحيث إننا ما فكرنا فيها ولا رضينا بها.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات الكريمة ببيان أحوال الناس في هذا اليوم العظيم فقال : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ ، وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
أى : هنالك في ذلك الموقف الهائل الشديد ، تختبر كل نفس مؤمنة أو كافرة : ما سلف منها من أعمال ، فترى ما كان نافعا أو ضارا من هذه الأعمال ، وترى الجزاء المناسب عن كل عمل بعد أن عاد الجميع إلى الله مولاهم الحق ، ليقضى بينهم بقضائه العادل ، وقد غاب عن المشركين في هذا الموقف ما كانوا يفترونه من أن هناك آلهة أخرى ستشفع لهم يوم القيامة.
وهكذا ترى الآيات الكريمة تصور أحوال الناس يوم الدين تصويرا بليغا مؤثرا ، يتجلى فيه موقف الشركاء من عابديهم ، وموقف كل إنسان من عمله الذي أسلفه في الدنيا.
وبعد هذا الحديث المعجز عن يوم الحشر وأهواله ، ساقت السورة الكريمة بضع آيات فيها الأدلة المقنعة على وحدانية الله وقدرته ، ولكن بأسلوب السؤال والجواب ، فقال ـ تعالى :
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ