قالوا : وكان هذا الجب الذي ألقى فيه يوسف على بعد ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب ـ عليهالسلام ـ بفلسطين.
ثم حكى ـ سبحانه ـ أقوالهم لأبيهم بعد أن فعلوا فعلتهم وعادوا إليه ليلا يبكون فقال :
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)(١٨)
فقوله : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ).
والعشاء : وقت غيبوبة الشفق الباقي من بقايا شعاع الشمس ، وبدء حلول الظلام والمراد بالبكاء هنا : البكاء المصطنع للتمويه والخداع لأبيهم ، حتى يقنعوه ـ في زعمهم ـ أنهم لم يقصروا في حق أخيهم.
أى : وجاءوا أباهم بعد أن أقبل الليل بظلامه يتباكون ، متظاهرين بالحزن والأسى لما حدث ليوسف ، وفي الأمثال : «دموع الفاجر بيديه».
(قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) أى : نتسابق عن طريق الرمي بالسهام ، أو على الخيل ، أو على الأقدام. يقال : فلان وفلان استبقا أى : تسابقا حتى ينظر أيهما يسبق الآخر.
(وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) أى : عند الأشياء التي نتمتع بها وننتفع في رحلتنا ، كالثياب والأطعمة وما يشبه ذلك.
(فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) في تلك الفترة التي تركناه فيها عند متاعنا.
والمراد : قتله الذئب ، ثم أكله دون أن يبقى منه شيئا ندفنه.
(وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) أى : وما أنت بمصدق لنا فيما أخبرناك به من أن