وبمفارقتها على وجه لا يؤدى إلى نقض الميثاق مع أبى «وهو» ـ سبحانه ـ «خير الحاكمين» لأنه لا يحكم إلا بالحق والعدل.
ثم واصل كبيرهم حديثه معهم فقال : «ارجعوا» يا إخوتى «إلى أبيكم» يعقوب «فقولوا» له برفق وتلطف. «يا أبانا إن ابنك» بنيامين «سرق» صواع الملك ، ووجد الصواع في رحله وقولوا له أيضا : إننا «ما شهدنا إلا بما علمنا» أى : وما شهدنا على أخينا بهذه الشهادة إلا على حسب علمنا ويقيننا بأنه سرق.
«وما كنا للغيب حافظين» أى : وما كنا نعلم الغيب بأنه سيسرق صواع الملك ، عند ما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا بأن نأتيك به معنا إلا أن يحاط بنا.
وقولوا كذلك على سبيل زيادة التأكيد ، إن كنت في شك من قولنا هذا فاسأل «القرية التي كنا فيها» والمراد بالقرية أهلها.
أى : فأرسل من تريد إرساله إلى أهل القرية التي حصلت فيها حادثة السرقة فإنهم سيذكرون لك تفاصيلها.
قالوا : ومرادهم بالقرية مدينة مصر التي حدث فيها ما حدث ، وعبروا عنها بالقرية لأنهم يقصدون مكانا معينا منها ، وهو الذي حصل فيه التفتيش لرحالهم ، والمراجعة بينهم وبين عزيز مصر ومعاونيه.
وقوله : (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) معطوف على ما قبله.
أى : اسأل أهل القرية التي كنا فيها ، واسأل «العير» أى : قوافل التجارة التي كنا فيها عند ذهابنا وإيابنا فإن أصحاب هذه القوافل يعلمون ما حدث من ابنك «بنيامين».
وقوله (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أى : وإنا لصادقون في كل ما أخبرناك به. فكن واثقا من صدقنا.
وقد ختم كبيرهم كلامه بهذه الجملة ، زيادة في تأكيد صدقهم ، لأن ماضيهم معه يبعث على الريبة والشك ، فهم الذين قالوا له قبل ذلك في شأن يوسف : «أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون» ثم ألقوا به في الجب ، «وجاءوا أباهم عشاء يبكون ...».
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد صورت بأسلوب حافل بالإثارة والمحاورة ، والأخذ والرد ، والترغيب والترهيب .. ما دار بين يوسف وإخوته عند ما قدموا إليه للمرة الثانية ومعهم شقيقه «بنيامين».
* * *