كانوا قبل الإيمان بالرسل على دين أقوامهم ، فكأنهم يقولون لهؤلاء الأتباع : لقد كنتم على ملتنا ثم تركتموها ، فإما أن تعودوا إليها وإما أن تخرجوا من ديارنا ، إلا أن رءوس الكفر وجهوا الخطاب إلى الرسل من باب التغليب.
ومنها : أن العود هنا بمعنى الصيرورة ، إذ كثيرا ما يرد «عاد» بمعنى صار ، فيعمل عمل كان ، ولا يستدعى الرجوع إلى حالة سابقة ، بل يستدعى الانتقال من حال سابقة إلى حال جديدة مستأنفة ، فيكون المعنى : لنخرجنكم من أرضنا أو لتصيرن كفارا مثلنا.
ومنها : أن هذا القول من الكفار جار على توهمهم وظنهم ، أن الرسل كانت قبل دعوى النبوة على ملتهم ، لسكوتهم قبل البعثة عن الإنكار عليهم ، فلهذا التوهم قالوا ما قالوا ، وهم كاذبون فيما قالوه.
وشبيه بهذه الآية قول قوم شعيب ـ عليهالسلام ـ له (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ...) (١).
وقول قوم لوط له (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ...) بشارة عظيمة من الله ـ تعالى ـ لرسله ، ووعد لهم بالنصر على أعدائهم ..
أى : فأوحى الله ـ تعالى ـ إلى الرسل ـ بعد أن قال لهم الكافرون ـ ما قالوا ـ : أبشروا أيها الرسل (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) الذين هددوكم بالإخراج من الديار ، أو بالعودة إلى ملتهم ، (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ) ـ أيها الرسل ـ (الْأَرْضَ) أى أرضهم (مِنْ بَعْدِهِمْ) أى من بعد إهلاكهم واستئصال شأفتهم.
قال الآلوسى ما ملخصه : «وأوحى هنا يحتمل أن يكون بمعنى فعل الإيحاء فلا مفعول له».
وقوله (لَنُهْلِكَنَ) على إضمار القول ، أى : قائلا لنهلكن ، ويحتمل أن يكون جاريا مجرى القول لكونه ضربا منه ، وقوله (لَنُهْلِكَنَ) مفعوله ...
وخص ـ سبحانه ـ الظالمين من الذين كفروا ، لأنه من الجائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا تلك المقالة أناس معينون ، فالتوعد لإهلاك من خلص للظلم» (٣).
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٨٨.
(٢) سورة النمل الآية ٥٦.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٧٩.