وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ)(١٧)
فقوله ـ سبحانه ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا ، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ...) حكاية لما هدد به رءوس الكفر رسلهم ، بعد أن أفحمهم الرسل بالحجة البالغة ، وبالمنطق الحكيم.
واللام في «لنخرجنكم» هي الموطئة للقسم. و «أو» للتخيير بين الأمرين.
أى : وقال الذين عتوا في الكفر ـ على سبيل التهديد ـ لرسلهم ، الذين جاءوا لهدايتهم ، والله لنخرجنكم ـ أيها الرسل ـ من أرضنا ، أو لتعودن في ديننا وملتنا.
قال الإمام الرازي : «اعلم أنه ـ تعالى ـ لما حكى عن الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ أنهم قد اكتفوا في دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه ، والاعتماد على حفظه وحياطته ، حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة وقالوا للأنبياء والله لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا».
والمعنى : ليكونن أحد الأمرين لا محالة ، إما إخراجكم وإما عودكم إلى ملتنا.
والسبب فيه أن أهل الحق في كل زمان يكونون قليلين. وأهل الباطل يكونون كثيرين والظلمة والفسقة يكونون متعاونين متعاضدين ، فلهذه الأسباب قدروا على هذه السفاهة (١).
والتعبير بقوله ـ سبحانه ـ (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) يفيد بظاهره أن الرسل كانوا على ملة الكافرين ثم تركوها ، فإن العود معناه : الرجوع إلى الشيء بعد مفارقته. وهذا محال ، فإن الأنبياء معصومون ـ حتى قبل النبوة ـ عن ارتكاب الكبائر ، فضلا عن الشرك.
وقد أجيب عن ذلك بإجابات منها :
أن الخطاب وإن كان في الظاهر مع الرسل ، إلا أن المقصود به أتباعهم المؤمنون ، الذين
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ٩٩.