وقال ـ سبحانه ـ (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) ولم يقل فاتبعوا أمره ، للتشهير به ، والإعلان عن ذمه الذي صرح به في قوله ـ سبحانه ـ (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ).
والرشيد بزنة ـ فعيل ـ من الفعل رشد من باب نصر وفتح : هو الشخص المتصف بإصابة الرأى ، وجودة التفكير ، وأضيف الرشد إلى الأمر على سبيل المجاز ، مبالغة في اشتمال أمر فرعون على ما يناقض الرشد والسداد ، ويطابق الغي والفساد.
أى : ما شأن فرعون وأمره بذي رشد وهدى ، بل هو محض الغي والضلال ، فكان من الواجب على ملئه أن ينبذوه ويهملوه ، بدل أن يطيعوه ويتبعوه ...
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء مصيره ومصير أتباعه فقال : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ).
ويقدم ـ كينصر ـ بمعنى يتقدم مأخوذ من الفعل قدم ـ بفتح الدال ـ تقول : قدم الرجل يقدم قدما وقدوما بمعنى : تقدم ، ومنه قادمة الرحل بمعنى مقدمته.
وقوله (فَأَوْرَدَهُمُ) من الإيراد وهو جعل الشيء واردا إلى المكان ـ وداخلا فيه.
والورد ـ بكسر الواو ـ يطلق على الماء الذي يرد إليه الإنسان والحيوان للشرب.
والمعنى : يتقدم فرعون قومه يوم القيامة إلى جهنم ، كما كان يتقدمهم في الكفر في الدنيا ، فأوردهم النار ، أى : فدخلها وأدخلهم معه فيها.
وعبر بالماضي مع أن ذلك سيكون يوم القيامة لتحقيق الوقوع وتأكده ، وقد صرح القرآن بأنهم سيدخلون النار بمجرد موتهم فقال ـ تعالى ـ : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (١).
وقوله وبئس الورد المورود ، أى : وبئس الورد الذي يردونه النار ، لان الورد ـ الذي هو النصيب المقدر للإنسان من الماء ـ إنما يذهب إليه قاصده لتسكين عطشه ، وإرواء ظمئه ، وهؤلاء إنما يذهبون إلى النار التي هي الضد من ذلك.
ثم صرح ـ سبحانه ـ بلعتهم في الدارين فقال : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) ...
أى : إن اللعنة والفضيحة لحقت بهم واتبعتهم في الدنيا وفي الأخرى ، كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٢).
__________________
(١) سورة غافر الآية ٤٥.
(٢) سورة القصص الآية ٤٢.