وهذا يدل على شدة محاسبة الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لنفوسهم ، وحسن صلتهم بخالقهم ـ عزوجل ـ.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) معطوف على ما قبله ، ومتفرع عليه.
أى : جاءهم نصرنا الذي وعدناهم به ، بأن أنزلنا العذاب على أعدائهم ، فنجا من نشاء إنجاءه وهم المؤمنون بالرسل ، ولا يرد بأسنا وعذابنا عن القوم المجرمين عند نزوله بهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه السورة الكريمة بقوله (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) أى : لقد كان في قصص أولئك الأنبياء الكرام وما جرى لهم من أقوامهم ، عبرة وعظة لأصحاب العقول السليمة ، والأفكار القويمة ، بسبب ما اشتمل عليه هذا القصص من حكم وأحكام ، وآداب وهدايات.
و (ما كانَ) هذا المقصوص في كتاب الله ـ تعالى ـ (حَدِيثاً يُفْتَرى) أى يختلق.
(وَلكِنْ) كان (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب السابقة عليه ، كالتوراة والإنجيل والزبور ، فهو المهيمن على هذه الكتب ، والمؤيد لما فيها من أخبار صحيحة ، والمبين لما وقع فيها من تحريف وتغيير ، والحاكم عليها بالنسخ أو بالتقرير.
(وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) أى : وكان في هذا الكتاب ـ أيضا ـ تفصيل وتوضيح كل شيء من الشرائع المجملة التي تحتاج إلى ذلك.
(وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أى : وكان هداية تامة ، ورحمة شاملة ، لقوم يؤمنون به ، ويعملون بما فيه من أمر ونهى ، وينتفعون بما اشتمل عليه من وجوه العبر والعظات.
وبعد : فهذا تفسير لسورة يوسف ـ عليهالسلام ـ تلك السورة الزاخرة بالحكم والأحكام ، وبالآداب والأخلاق ، وبالمحاورات والمجادلات ، وبأحوال النفوس البشرية في حبها وبغضها ، وعسرها ويسرها ، وخيرها وشرها. وعطائها ومنعها وسرها وعلانيتها ، ورضاها وغضبها ، وحزنها وسرورها ..
أسأل الله ـ تعالى ـ أن ينفعنا بهدى كتابه ، وأن يجعله شفيعا لنا يوم نلقاه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. محمد سيد طنطاوى