أى : وأمرت من قبل خالقي ـ عزوجل ـ بأن أكون من المؤمنين بأنه لا معبود بحق سواه.
وأوثر الخطاب باسم الجنس «الناس» مع تصديره بحرف التنبيه ، تعميما للخطاب ، وإظهارا لكمال العناية بشأن المبلغ إليهم.
وعبر عن شكهم «بإن» المفيدة ؛ لعدم اليقين ، مع أنهم قد شكوا فعلا في صحة هذا الدين بدليل عدم إيمانهم به ، تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه ، وتنزيها لساحة هذا الدين عن أن يتحقق الشك فيه من أى أحد ، وتوبيخا لهم على وضعهم الأمور في غير مواضعها.
وقدم ـ سبحانه ـ ترك عبادة الغير على عبادته ـ عزوجل ـ ، إيذانا بمخالفتهم من أول الأمر ، ولتقديم التخلية على التحلية.
وتخصيص التوفي بالذكر ، للتهديد والترهيب ، أى : ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد ، ولأنه أشد الأحوال مهابة في القلوب.
وقوله : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ...) معطوف على قوله : (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
و (حَنِيفاً) حال من الدين أو من الوجه ، والحنيف : هو المائل عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام.
وخص الوجه بالذكر ، لأنه أشرف الأعضاء.
والمعنى : أن الله ـ سبحانه ـ أمره بالاستقامة في الدين. والثبات عليه ، وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال.
قال الآلوسى : «إقامة الوجه للدين ، كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته ـ تعالى ـ ، والإعراض عما سواه ، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء ، يقيم وجهه في مقابلته ، بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، إذ لو التفت بطلت المقابلة ، فلذا كنى به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين ، فالمراد بالوجه الذات.
أى : اصرف ذاتك وكليتك للدين ..» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تأكيد للأمر بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده. وهو معطوف على (أَقِمْ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٧٨.