قال الشوكانى : قوله (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) أى : ما لنا فيهن من شهوة ولا حاجة ، لأن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق ، ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان الذكور وشدة الشهوة إليهم ، فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء. ويمكن أن يريدوا : أنه لا حق لنا في نكاحهن ...» (١).
وقولهم : (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) إشارة خبيثة منهم إلى العمل الخبيث الذي ألفوه ، وهو إتيان الذكور دون النساء أى : وإنك لتعلم علما يقينيا الشيء الذي نريده فلما ذا ترجعنا؟! وقولهم هذا الذي حكته الآية الكريمة عنهم ، يدل دلالة واضحة على أنهم قد بلغوا النهاية في الخبث والوقاحة وتبلد الشعور ..
لذا رد عليهم لوط ـ عليهالسلام ـ رد اليائس من ارعوائهم عن غيهم ، المتمنى لوجود قوة إلى جانبه تردعهم وتكف فجورهم ... (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ).
والقوة : ما يتقوى به الإنسان على غيره.
وآوى : أى ألجأ وأنضوى تقول : أويت إلى فلان فأنا آوى إليه أويّا أى : انضممت إليه.
والركن في الأصل : القطعة من البيت أو الجبل ، والمراد به هنا الشخص القوى الذي يلجأ إليه غيره لينتصر به ...
ولو شرطية وجوابها محذوف ، والتقدير : قال لوط ـ عليهالسلام ـ بعد أن رأى من قومه الاستمرار في غيهم ، ولم يقدر على دفعهم ـ على سبيل التفجع والتحسر : لو أن معى قوة أدفعكم بها لبطشت بكم.
ويجوز أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أى : ليت معى قوة أستطيع بمناصرتها لي دفع شركم.
وقوله (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) معطوف على ما قبله ، أو ليتني أستطيع أن أجد شخصا قويا من ذوى المنعة والسلطان أحتمى به منكم ومن تهديدكم لي ...
قالوا : وإنما قال لوط ـ عليهالسلام ـ ذلك ؛ لأنه كان غريبا عنهم ، ولم يكن له نسب أو عشيرة فيهم.
وهنا ـ وبعد أن بلغ الضيق بلوط ما بلغ ـ كشف له الملائكة عن حقيقتهم ، وبشروه بما يدخل الطمأنينة على قلبه (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) أى : إنا رسل
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٢ ص ٥١٤.