ربك أرسلنا إليك لنخبرك بهلاكهم ، فاطمئن فإنهم لن يصلوا إليك بسوء في نفسك أو فينا.
روى أن الملائكة لما رأوا ما لقيه لوط ـ عليهالسلام ـ من الهم والكرب بسببهم قالوا له : يا لوط إن ركنك لشديد ... ثم ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم ، فارتدوا على أدبارهم يقولون النجاء ، وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى ـ في سورة القمر : (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ).
وقوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أى : فاخرج من هذه القرية مصحوبا بالمؤمنين من أهلك في جزء من الليل يكفى لابتعادك عن هؤلاء المجرمين.
قال القرطبي : قرئ «فاسر وفأسر بوصل الهمزة وقطعها لغتان فصيحتان. قال ـ تعالى ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) وقال (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ ...) وقيل «فأسر» بالقطع تقال لمن سار من أول الليل .. وسرى لمن سار في آخره ، ولا يقال في النهار إلا سار ...» (١).
وقوله : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ...) معطوف على ما قبله وهو قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ...).
أى : فأسر بأهلك في جزء من الليل ، ولا يلتفت منكم أحد إلى ما وراءه ، اتقاء لرؤية العذاب ، (إِلَّا امْرَأَتَكَ) يا لوط فاتركها ولا تأخذها معك لأنها كافرة خائنة ، ولأنها سيصيبها العذاب الذي سينزل بهؤلاء المجرمين. فيهلكها معهم.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : قوله (إِلَّا امْرَأَتَكَ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إِلَّا امْرَأَتَكَ) بالرفع ، وقرأ الباقون بالنصب.
قال الواحدي : من نصب فقد جعلها مستثناة من الأهل ، على معنى : فأسر بأهلك إلا امرأتك أى فلا تأخذها معك ...
وأما الذين رفعوا فالتقدير : ولا يلتفت منكم أحد لكن امرأتك تلتفت فيصيبها ما أصابهم.
روى عن قتادة أنه قال : إنها كانت مع لوط حين خرج من القرية ، فلما سمعت العذاب التفتت وقالت وا قوماه فأصابها حجر فأهلكها» (٢).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ٧٩.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ٣٦.