أى : والملائكة يدخلون على هؤلاء الأوفياء الصابرين ... من كل باب من أبواب منازلهم في الجنة ، قائلين لهم : «سلام عليكم» أى : أمان دائم عليكم (بِما صَبَرْتُمْ) أى : بسبب صبركم على كل ما يرضى الله ـ تعالى ـ.
(فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) أى : فنعم العاقبة عاقبة دنياكم ، والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة المقام عليه ، أى : الجنة.
وفي قوله ـ سبحانه ـ (يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) إشارة إلى كثرة قدوم الملائكة عليهم ، وإلى كثرة أبواب بيوتهم ، تكريما وتشريفا وتأنيسا لهم.
وجملة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) مقول لقول محذوف ، وهو حال من فاعل يدخلون وهم الملائكة. وهي بشارة لهم بدوام السلامة.
وفي قوله (بِما صَبَرْتُمْ) إشارة إلى أن صبرهم على مشاق التكاليف ، وعلى الأذى ، وعلى كل ما يحمد فيه الصبر ، كان على رأس الأسباب التي أوصلتهم إلى تلك المنازل العالية.
هذا ومن الأحاديث التي ذكرها الإمام ابن كثير هنا ، ما رواه الإمام أحمد ـ بسنده ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله؟ قالوا : الله ورسوله أعلم : قال : أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون ، الذين تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته : ائتوهم فحيوهم. فتقول الملائكة : نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك ، أفتأمرنا أن نأتى هؤلاء فنسلم عليهم؟
قال : إنهم كانوا عبادا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ، وتسد بهم الثغور. وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره ، فلا يستطيع لها قضاء. قال : فتأتيهم الملائكة عند ذلك ، فيدخلون عليهم من كل باب (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) (١).
وبعد أن ذكر ـ سبحانه ـ صفات هؤلاء الأوفياء ، وما أعد لهم من ثواب جزيل ، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة الناقضين لعهودهم ، القاطعين لما أمر الله بوصله. المفسدين في الأرض فقال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ).
ونقض العهد : إبطاله وعدم الوفاء به.
وقوله : (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) زيادة في تشنيع النقض. أى : ينقضون عهد الله تعالى ولا يوفون به. من بعد أن أكدوا التزامهم به وقبولهم له.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٧٣.