وقوله ـ تعالى ـ في خلال حديثه عن مريم (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (١).
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن معاصرا لمن جاء القرآن بقصصهم ، ولم يطلع على كتاب فيه خبرهم ، فلم يبق لعلمه صلىاللهعليهوسلم بذلك طريق إلا طريق الوحى.
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يبعث التسلية والتعزية في قلب النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
أى : لقد جئت ـ أيها الرسول ـ للناس بدين الفطرة ، الذي ترتاح له النفوس وتتقبله القلوب بسرور وانشراح. ولكن أكثر الناس قد استحوذ عليهم الشيطان ، فمسخ نفوسهم وقلوبهم ، فصاروا مع حرصك على إيمانهم ، ومع حرصك على دعوتهم إلى الحق على بصيرة ، لا يؤمنون بك ، ولا يستجيبون لدعوتك ، لاستيلاء المطامع والشهوات والأحقاد على نفوسهم.
وفي التعبير بقوله ـ سبحانه ـ (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ ...) إشعار بأن هناك قلة من الناس قد استجابت بدون تردد لدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فدخلت في الدين الحق ، عن طواعية واختيار.
وقوله (وَلَوْ حَرَصْتَ) جملة معترضة لبيان أنه مهما بالغ النبي صلىاللهعليهوسلم في كشف الحق ، فإنهم سادرون في ضلالهم وكفرهم ، إذ الحرص طلب الشيء باجتهاد.
قال الآلوسى ما ملخصه : «سألت قريش واليهود رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قصة يوسف ، فنزلت مشروحة شرحا وافيا ، فأمل النبي صلىاللهعليهوسلم أن يكون ذلك سببا في إسلامهم ، فلما لم يفعلوا حزن صلىاللهعليهوسلم فعزاه الله ـ تعالى ـ بذلك» (٢).
وقوله (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) زيادة في تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي إعلاء شأنه.
أى أنك ـ أيها الرسول الكريم ـ ما تسألهم على هذا القرآن الذي تتلوه عليهم لهدايتهم وسعادتهم من أجر ولو كان زهيدا ضئيلا. كما يفعل غيرك من الكهان والأحبار والرهبان ...
وإنما تفعل ما تفعل ابتغاء رضا الله ـ تعالى ـ ونشر دينه.
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ٤٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ٦٥.