لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(١١١)
واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ...). يعود على ما ذكره الله ـ تعالى ـ في هذه السورة من قصص يتعلق بيوسف وإخوته وأبيه وغيرهم ، أى : ذلك الذي قصصناه عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ في هذه السورة ، وما قصصناه عليك في غيرها (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أى : من الأخبار الغيبية التي لا يعلمها علما تاما شاملا إلا الله ـ تعالى ـ وحده.
ونحن (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) ونعلمك به لما فيه من العبر والعظات.
وقوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) مسوق للتدليل على أن هذا القصص من أنباء الغيب الموحاة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
أى : ومما يشهد بأن هذا الذي قصصناه عليك في هذه السورة من أنباء الغيب ، أنك ـ أيها الرسول الكريم ـ ما كنت حاضرا مع إخوة يوسف ، وقت أن أجمعوا أمرهم للمكر به ، ثم استقر رأيهم على إلقائه في الجب ، وما كنت حاضرا أيضا وقت أن مكرت امرأة العزيز بيوسف ، وما كنت مشاهدا لتلك الأحداث المتنوعة التي اشتملت عليها هذه السورة الكريمة ، ولكنا أخبرناك بكل ذلك لتقرأه على الناس ، ولينتفعوا بما فيه من حكم وأحكام ، وعبر وعظات.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ في خلال قصة نوح ـ عليهالسلام ـ : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (١).
وقوله ـ تعالى ـ في خلال قصة موسى ـ عليهالسلام ـ (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٢).
__________________
(١) سورة هود الآية ٤٩.
(٢) سورة القصص الآية ٤٤.