وقال الجمل : «قوله ـ تعالى ـ (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ ..) أى : قال جملا ثلاثة : الأولى : (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) والثانية (أَسِحْرٌ هذا) والثالثة (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ).
وقوله (لِلْحَقِ) أى في شأنه ولأجله ، وقوله (لَمَّا جاءَكُمْ) أى : حين مجيئه إياكم من أول الأمر من غير تأمل وتدبر ، وهذا مما ينافي القول المذكور.
وقوله : (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) هنا مقول القول محذوف لدلالة ما قبله عليه ، وإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتفوه به.
وقوله ـ سبحانه ـ حكاية عن موسى (أَسِحْرٌ هذا) مبتدأ وخبر ، وهو استفهام إنكارى مستأنف من جهته ـ عليهالسلام ـ تكذيبا لقولهم ، وتوبيخا إثر توبيخ ، وتجهيلا بعد تجهيل» (١).
وقوله : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) جملة حالية من ضمير المخاطبين ، وقد جيء بها تأكيدا للإنكار السابق ، وما فيه من معنى التوبيخ والتجهيل.
أى : أتقولون للحق إنه سحر ، والحال أنه لا يفلح فاعله ، أى : لا يظفر بمطلوب ، ولا ينجو من مكروه ، وأنا قد أفلحت ، وفزت بالحجة ، ونجوت من الهلكة.
ثم كشف القرآن الكريم عن حقيقة الدوافع التي جعلتهم يصفون الحق بأنه سحر مبين فقال ـ تعالى ـ : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ).
واللفت : الصرف واللى يقال : لفته يلفته لفتا ، أى : صرفه عن وجهته إلى ذات اليمين أو الشمال.
أى : قال فرعون وملؤه لموسى ـ عليهالسلام ـ بعد أن جاءهم بالحق المبين : أجئتنا يا موسى بما جئتنا به (لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أى : لتصرفنا عن الدين الذي وجدنا عليه آباءنا ، وتكون لك ولأخيك هارون (الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) أى السيادة والرياسة والزعامة الدينية والدنيوية في الأرض بصفة عامة ، وفي أرض مصر بصفة خاصة.
ثم أكدوا إنكارهم لما جاءهم به موسى ـ عليهالسلام ـ من الدين الحق فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) أى وما نحن لكما بمصدقين فيما جئتما به ،
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٦٥.