«وتبين لكم» عن طريق المشاهدة وتواتر الأخبار.
«كيف فعلنا بهم» من الإهلاك والتدمير بسبب كفرهم وفسوقهم.
«وضربنا لكم الأمثال» بما فعلوه وبما فعلناه بهم ، عن طريق كتابنا ، وعلى لسان رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم.
وكان من الواجب عليكم بعد كل ذلك أن تعتبروا وتتعظوا وتثوبوا إلى رشدكم ، وتدخلوا في الإسلام ، ولكنكم كنتم قوما فاسقين ، سائرين على نهج هؤلاء المهلكين في الكفر والفجور ، فاليوم ذوقوا العذاب بسبب جحودكم للحق في الدنيا.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : «أى : قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر ، ولم يكن فيما أوقعنا بهم مزدجر لكم.
قال ـ تعالى ـ (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك لونا آخر من ألوان عراقتهم في الكفر والجحود فقال : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ).
والمكر : تبييت فعل السوء بالغير وإضماره ، مع إظهار ما يخالف ذلك. وانتصب «مكرهم» الأول على أنه مفعول مطلق لمكروا ، لبيان النوع ، والإضافة فيه من إضافة المصدر لفاعله.
أى : أن هؤلاء الظالمين جاءتهم العبر فلم يعتبروا ، بل أضافوا إلى ذلك أنهم مكروا بالرسول صلىاللهعليهوسلم مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق ، وإحقاق الباطل ، والذي كان من مظاهره محاولتهم قتل الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وقوله (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أى : وفي علم الله ـ تعالى ـ الذي لا يغيب عنه شيء مكرهم ، وسيجازيهم عليه بما يستحقونه من عذاب مهين.
وقوله ـ تعالى ـ (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) قرأ الجمهور «لتزول» ـ بكسر اللام على أنها لام الجحود والفعل منصوب بعدها. بأن مضمرة وجوبا ، و «إن» في قوله (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) نافية بمعنى ما.
والمعنى : ولقد مكر هؤلاء الكافرون مكرهم الشديد الذي اشتهروا به ، وفي علم الله ـ تعالى ـ مكرهم ، وما كان مكرهم ـ مهما عظم واشتد ـ لتنتقل منه الجبال من أماكنها ، لأنه
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٣٤.