من الشاكرين لك ، المطيعين لأمرك ، المتبعين لشرعك.
وهنا ، وبعد هذا الدعاء العريض ، هدأت العاصفة. وانخفضت الأمواج ، وسكنت النفوس بعض السكون ، ووصلت السفن إلى شاطئ الأمان فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة كما صورها القرآن الكريم : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ..).
أى : فحين أنجاهم الله ـ تعالى ـ بفضله ورحمته من هذا الكرب العظيم الذي كانوا فيه ، إذا هم يسعون في الأرض فسادا. ويرتكبون البغي الفاضح الذي لا يخفى قبحه على أحد.
وقيد البغي بكونه بغير الحق ، لأنه لا يكون إلا كذلك ، إذا البغي معناه : تجاوز الحق ، يقال : بغى الجرح إذا تجاوز حده في الفساد.
فقوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) تأكيد لما يفيده البغي من التعدي والظلم ، فهو بغى ظاهر سافر لا يخفى قبحه على أحد.
وقيل قيده بذلك ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه. فإنه يسمى بغيا في الجملة ، لكنه بحق. وهو قول ضعيف ، لأن دفع البغي لا يسمى بغيا وإنما يسمى إنصافا من الظالم ، ولذا قال القرآن الكريم : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (١).
وجاء التعبير بالفاء وإذا الفجائية ، للإشعار بأنهم قوم بلغ بهم اللؤم والجحود ، أنهم بمجرد أن وطئت أقدامهم بر الأمان ، نسوا ما كانوا فيه من أهوال ، وسارعوا إلى الفساد في الأرض ، دون أن يردعهم رادع ، أو يصدهم ترغيب أو ترهيب.
والتعبير بقوله (فِي الْأَرْضِ) للإشارة إلى أن بغيهم قد شمل أقطارها ، ولم يقتصر على جانب من جوانبها.
وقوله ـ سبحانه ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) خطاب منه ـ سبحانه ـ لأولئك البغاة في كل زمان ومكان ، قصد به التهديد والوعيد.
أى : يا أيها الناس الذين تضرعوا إلينا في ساعات الشدة ، وهرولوا إلى البغي بعد زوال تلك الشدة ، اعلموا أن بغيكم هذا مرجعه إليكم لا إلى غيركم فأنتم وحدكم الذين تتحملون سوء عاقبته في الدنيا والآخرة.
__________________
(١) سورة الشورى الآية ٤١.