واعلموا أن هذا البغي إنما تتمتعون به متاع الحياة الدنيا التي لا بقاء لها ، وإنما هي إلى زوال وفناء.
واعلموا كذلك أن مردكم إلينا بعد هذا التمتع الفاني. فنخبركم يوم الدين بكل أعمالكم ، وسنجازيكم عليها بالجزاء الذي تستحقونه.
وقوله : (إِنَّما بَغْيُكُمْ) مبتدأ وخبره (عَلى أَنْفُسِكُمْ) أى هو عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم.
وقوله : (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) : قرأ حفص عن عاصم (مَتاعَ) بفتح العين على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر. أى : تتمتعون به متاع الحياة الدنيا الزائلة الفانية.
وقرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : هو متاع الحياة الدنيا. وقوله : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تذييل قصد به تهديدهم على بغيهم ، ووعيدهم عليه بسوء المصير حتى يرتدعوا وينزجروا.
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :
١ ـ أن من الواجب على العاقل أن يكثر من ذكر الله في حالتي الشدة والرخاء ، وأن لا يكون ممن يدعون الله عند الضر وينسونه عند العافية ، ففي الحديث الشريف : «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة».
٢ ـ ان الناس جبلوا على الرجوع إل الله وحده عند المصائب والمحن ، وفي ذلك يقول الآلوسى : «روى أبو داود والنسائي وغيرهما عن سعد بن أبى وقاص قال : لما كان يوم الفتح فر عكرمة بن أبى جهل فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف ، فقال أصحاب السفينة لركابها : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئا. فقال عكرمة : لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ، ما ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا كريما. قال : فجاء فأسلم.
وفي رواية ابن سعد عن أبى مليكه : أن عكرمة لما ركب السفينة وأخذتهم الريح فجعلوا يدعون الله ـ تعالى ـ ويوحدونه فقال : ما هذا؟ فقالوا : هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله ـ تعالى ـ. قال : «فهذا ما يدعونا إليه محمد صلىاللهعليهوسلم فارجعوا بنا». فرجع وأسلم ...» (١).
وقال الفخر الرازي : «يحكى أن واحدا قال لجعفر الصادق : اذكر لي دليلا على إثبات
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٩٧.