ثم زاد ـ سبحانه ـ في تسلية رسوله صلىاللهعليهوسلم وفي تثبيت فؤاده فقال : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً ...).
والمكر : صرف الغير عما يريده بحيلة ، أو إيصال المكروه للممكور به خفية ، والمراد بمكر الذين من قبلهم : إضمارهم السوء لرسلهم.
والمراد بمكر الله ـ تعالى ـ هنا : علمه ـ سبحانه ـ بما بيتوه ، وإحباطه لمكرهم ، وإنجاؤه لرسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.
أى : وقد مكر الكفار الذين سبقوا قومك ـ يا محمد ـ برسلهم وحاولوا إيقاع المكروه بهم ، ولكن ربك ـ سبحانه ـ نصر رسله لأنه ـ عزوجل ـ له المكر جميعا ، ولا اعتداد بمكر غيره لأنه معلوم له.
وقال الجمل ما ملخصه : «وقوله (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) تعليل لمحذوف تقديره فلا عبرة بمكرهم ، ولا تأثير له ، فحذف هذا اكتفاء بدلالة القصر المستفاد من تعليله بقوله (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أى : لا تأثير لمكرهم أصلا لأنه معلوم لله ـ تعالى ـ وتحت قدرته ...
وأثبت لهم المكر باعتبار الكسب ، ونفاه عنهم باعتبار الخلق. (١) وجملة «يعلم ما تكسب كل نفس» بمنزلة التعليل لجملة «فلله المكر جميعا».
أى : هو ـ سبحانه ـ له المكر جميعا ، لأنه لا تخفى عليه خافية من أحوال كل نفس ، وسيجازيها بما تستحقه من خير أو شر.
وقوله : (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) تهديد للكافرين بالحق الذي جاءهم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
أى : وسيعلم الكافرون عند ما ينزل بهم العذاب ، لمن تكون العاقبة الحميدة أهي لهم ـ كما يزعمون ـ أم للمؤمنين؟ لا شك أنها للمؤمنين.
فالجملة الكريمة تحذير للكافرين من التمادي في كفرهم ، وتبشير للمؤمنين بأن العاقبة لهم.
وفي قراءة سبعية «وسيعلم الكافر». فيكون المراد به جنس الكافر.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بالشهادة للرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه صادق في رسالته فقال : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً).
أى : لست مرسلا من عند الله ـ تعالى ـ ، وقد حكى ـ سبحانه ـ قولهم الباطل هذا
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥١٢.