ويقال إن هودا ـ عليهالسلام ـ قد أرسله الله إلى عاد الأولى ، أما عاد الثانية فهم قوم صالح ، وبينهما زهاء مائة سنة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ...) معطوف على قصة نوح التي سبق الحديث عنها.
أى : وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده ، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا ، فقال لهم ما قاله كل نبي لقومه : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
ووصفه ـ سبحانه ـ بأنه (أَخاهُمْ) لأنه من قبيلتهم في النسب ، أو لأنه أخوهم في الإنسانية وناداهم بقوله : (يا قَوْمِ) زيادة في التلطف معهم ، استجلابا لقلوبهم ، وترضية لنفوسهم ، وجملة (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) في معنى العلة لما قبله.
أى : أنا آمركم بعبادة الله وحده ، لأنه ليس هناك إله آخر يستحق العبادة سواه ، فهو الذي خلقكم ورزقكم ، وهو الذي يحييكم ويميتكم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ).
والافتراء : الكذب المتعمد الذي لا شبهة لصاحبه في النطق به.
أى : ما أنتم إلا متعمدون للكذب في جعلكم الألوهية لغير الله ـ تعالى ـ.
ثم بين لهم بعد ذلك أنه لا يريد منهم جزاء ولا شكورا في مقابل دعوته إياهم إلى الحق فقال : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ...).
وفطرني : أى خلقني وأبدعنى على غير مثال سابق ، يقال : فطر الأمر. أى : ابتدأه وأنشأه. وفطر الله الخلق : أى خلقهم وأوجدهم. وأصل الفطر : الشق ، ثم استعمل في الخلق والإنشاء مجازا.
والمعنى : ويا قوم لا أريد منكم على ما أدعوكم إليه أجرا منكم ، وإنما أجرى تكفل به الله الذي خلقني بقدرته ، فهو وحده الذي أطلب منه الأجر والعطاء.
ومقصده من هذا القول ، إزالته ما عسى أن يكون قد حاك في نفوسهم ، من أنه ما دعاهم إلى ما دعاهم إليه ، إلا لأنه رجل يبتغى منهم الأجر الذي يجعله موسرا فيهم ..
والهمزة في قوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) للاستفهام الإنكارى ، وهي داخلة على محذوف.
أى : أتجهلون ما هو واضح من الأمور ، فلا تعقلون أن أجر الناصحين المخلصين ، إنما هو من الله ـ تعالى ـ رب العالمين ورازقهم.
ثم أرشدهم إلى ما يؤدى إلى زيادة غناهم وقوتهم ، وحذرهم من سوء عاقبة البطر والأشر